ملفان ضاغطان عادا ليتصدرا الاهتمامات الحكومية والشعبية: ملف العسكريين المخطوفين لدى "​جبهة النصرة​" و"داعش"، وملف المخيمات الفلسطينية التي تحولت إلى جزر أمنية بعد استقبالها لارهابيين تابعين للتنظيمين المذكورين، وباتت تهدد الوضع الامني بصورة مباشرة لا سيما بعد الاجتماع الاخير بين القيادات الفلسطينية في ​مخيم عين الحلوة​ وقيادة المخابرات في الجنوب، والذي انتهى إلى ما يشبه الغطاء الفلسطيني الممنوح للقياديين الفارين من طرابلس وعبرا وعدم التجاوب مع مطالب السلطات الامنية المحلية.

صحيحٌ أنّ الملفين متباعدان في الشكل ولكنهما متلازمان في المضمون لعدة اعتبارات يشرحها سياسي مخضرم من خلال التزامن بين تحريك الملفات اولا، ونجاح "جبهة النصرة" في حماية مقاتليها وإبعادهم عن أعين السلطات الامنية ثانيًا وتحضيرهم لمزيد من العمليات ثالثًا، إضافة إلى نجاح التنظيم الارهابي في وضع أهالي العسكريين بمواجهة القوى الامنية اللبنانية، مستفيدًا من التراخي الرسمي بمعالجة الملف من أساسه، فضلا عن تورط السلطة السياسية بإعطاء الغطاء لبعض العابثين وتكليفها جهات معروفة الانتماءات للتفاوض مع المسلحين منذ بداية الازمة قبل الانتقال لتكليف الخارج بالرغم من امتلاكها أوراقًا ضاغطة يمكن الاستفادة منها.

غير أنّ انفجار ملف المخطوفين أعاد إلى الذاكرة الأداء الحكومي الملتبس عند كلّ استحقاق، في ظل قناعةٍ راسخةٍ لدى الكثير من الوزراء بأنّ "جبهة النصرة" لا ترغب بإطلاق المخطوفين في الوقت الراهن بل الابقاء عليهم بمثابة ضمانة أمنية أولا ومادة مساومة ثانيًا، إضافة إلى استخدامهم للضغط على الحكومة اللبنانية، وهذا ما يبرّر غياب الموفد القطري باستمرار وتدخله عند التهديد بقتل أحد العسكريين، في إشارة واضحة إلى أنّ المفاوضات من أساسها لا تبدو جدية، نظرًا لمراوحتها ولتبديل مطالب "النصرة" وفق الظروف وتطوراتها، مع الاشارة إلى أنّ المعلومات تتحدث عن تهريب أغطية ومواد تدفئة للارهابيين ما يعزز الاعتقاد بأنّ الازمة لن تنتهي قبل الشتاء، فالخشية تكمن بحسب المصدر في خوف "النصرة" و"داعش" من قيام ​الجيش اللبناني​ بالضغط على الجبهة أو على الخلايا النائمة داخل مخيمات النازحين في عرسال في حال تبادل المخطوفين وفراغ جعبتهما من ادوات الضغط الفاعلة والمؤثرة.

ويبدو أنّ الملف الثاني المرتبط بالاول بشكل أو بآخر أكثر سخونة في ظل قدرة "النصرة" على تحريك الملف الامني الداخلي، انطلاقا من مخيم عين الحلوة وذلك بعد أن نجح الجيش اللبناني بتجميد عمل الخلايا في طرابلس وعكار وإن كان بصورة مبدئية، وحصر عملها في أطر ضيقة للغاية من المرجح ألا تتمكن التنظيمات الارهابية من الاستفادة منها، خصوصًا أنّ القرار السياسي ما زال ضمن تاريخ صلاحياته، إضافة إلى واقع ميداني معقد غير متوفر في صيدا نظرًا إلى التداخل الحاصل في المنظومة الجيوسياسية واتساع قاعدة البيئة الحاضنة القادرة على استيعاب التطورات وتحريكها وفق المطلوب.

ما يعزّز هذا الاعتقاد ما يكشفه المصدر ويؤكده نقلا عن أمن المخيمات أنّ عدد النازحين الفلسطينيين الموالين لـ"النصرة" بلغ أعدادًا قياسية، في ظلّ موجة نزوح سابقة من مخيم اليرموك السوري سرعان ما انتظمت في إطار أمني منسّق، بدليل احتضان الارهابي ​أحمد الأسير​ والسماح له بأكثر من إطلالة إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن قدرة التنظيم المذكور على التحرك بحرية كاملة وإلا لما تمكن من نقل الارهابي ​شادي المولوي​ من طرابلس الى المخيم، بالرغم من الحواجز الامنية المنتشرة بكثافة في طرابلس والعين الامنية الصارمة المتحكمة بمداخل المخيم المذكور، فضلا عن توزيع الادوار بين الفصائل التي نفت وجود المولوي ما يحشر الامور في خانة احتمالين، الاول تنسيق كامل مدعوم من خارج المخيم من خلال ضمانات بان القوى الامنية لن تستخدم القوة لاستعادة المولوي، او ان الامور تخطت قدرة اللجان الامنية المشتركة المولجة بامن المخيمات على ضبط الامن داخله وبالتالي فان قدرة الارهابيين على الدخول والخروج وانشاء الخلايا اكبر من المتوقع. بيد أنّ أيًّا من الاحتمالين يبقى عاجزًا عن ضبط الامن وعدم خروجه إلى أبعد من نطاقه الجغرافي في نفس الوقت ما يجعل من المواجهة المؤجلة حتميّة الى حين استكمال العناوين الاساسية.