لم يترك رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ اي مجال للشك هذه المرة في زيارته الى السعودية، فالزيارة الاولى التي حصلت في شهر تشرين الاول الفائت و"تزامنت" مع زيارة مماثلة قام بها النائب سامي الجميل في الوقت نفسه الى المملكة، لم يكن وقعها كبيراً على محبيه ومناصريه. فتزامن الزيارتين في ذلك الوقت ترك مجالاً للشك حول المغزى منهما، وما اذا كان هناك من رسالة ترغب السعودية في توجيهها عبر قناة "مسيحية" في لبنان من خلال التمثيل المسيحي في قوى 14 آذار...

اما اليوم، فقد اخذت الزيارة التي قام بها جعجع منحى آخر اكثر قيمة له ولحزبه وطرحت تساؤلات كثيرة، لعل اهمها ما اذا كانت الزيارة رسالة سعودية الى الكتائب اللبنانية، او موقف سعودي جديد من التطورات على الساحة الداخلية.

وقد زاد البيان المقتضب الصادر عن المكتب الاعلامي لجعجع والذي جاء فيه: "غادر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، لبنان، عن طريق مطار رفيق الحريري الدولي-بيروت، في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية يلتقي خلالها بكبار المسؤولين السعوديين"، الغموض الذي اعترى هذه الزيارة المفاجئة.

في الزيارة الاولى كان جعجع رافضاً للتمديد، ولكنه عاد الى لبنان وهو من مؤيدي التمديد معللاً التغيير في القرار بأنه من اجل المصلحة العامة ولعدم الامعان في افراغ المؤسسات الدستورية او ترك البلد في مهب الريح.

اليوم، حلّ جعجع ضيفاً على السعودية وحيداً ودون تزامن مع زيارات اخرى لمسؤولين مسيحيين من قوى 14 آذار. ويرى البعض ان هذه الزيارة تحمل مؤشرات عتب ولوم من الرياض الى رئيس الكتائب امين الجميل والسياسة التي يتّبعها. فموعد الزيارة اتى بعد ساعات قليلة على جولة نادرة قام بها الجميّل الى الجنوب واستُقبل بها بحفاوة، واطلق مواقف متقدمة جداً بالنسبة الى قوى 14 آذار خصوصاً في ما خصّ المقاومة. ومن الطبيعي الا تنظر السعودية الى هذا الامر بعين القبول، وبما ان الرياض عاصمة اقليمية لها كلمتها في الاستحقاقات اللبنانية، فاستقبال جعجع دون الجميّل ولقاءاته "مع كبار المسؤولين السعوديين" تدلّ على "زكزكة" سعودية لرئيس الكتائب بأن ترشّحه للانتخابات الرئاسية سيبقى ناقصاً اذا وضعت السعودية "فيتو" عليه. كما ان المواقف الكتائبية اقلقت السعودية التي تتخوف من جنوح الكتائب الى الموقف الذي اتخذه النائب وليد جنبلاط بالتخلي عن قوى 14 آذار واعتماد الوسطية.

اما المنحى الثاني الذي قد تحمله الزيارة الى السعودية، فيتعلق بالمواقف القوية التي اطلقها جعجع في الآونة الاخيرة وبالاخص مسألة استعداده للقاء النائب العماد ميشال عون في الرابية، ولو انه ربطها ببعض الشروط. وللتذكير فقط، فإن العماد عون لم يزر السعودية رغم ان الزيارة قد تم التمهيد لها على نار حامية وعقد اكثر من لقاء "جذب الانظار" بين السفير السعودي علي عواض العسيري والعماد عون والوزير جبران باسيل دون ان تثمر اللقاءات عن دعوة وزيارة الى الرياض.

وفي حين ان اعلان جعجع تغيير موقفه من مسألة لقائه العماد عون، بعد عودته من الرياض، امر مستبعد جداً نظراً الى "الضجة" التي اخذها الموضوع، فإن احتمال تشدده في الشروط لحصول هذا اللقاء او اطلاق مواقف من شأنها تأخيره او ارجائه، امر ليس بالمستحيل ويمكن من خلاله الحفاظ على عامل الوقت الذي يساعد في توضيح بعض الامور العالقة على الصعيد الاقليمي.

ومن المؤكد ان زيارة جعجع الى السعودية وهي الثانية في غضون شهرين، كرّسته زعيم المسيحيين في قوى 14 آذار، وهو امر يعيد الى القوات اللبنانية ورئيسها الطمأنينة بأن وجودها لن يكون عابراً رغم الحديث عن قرب موعد الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، ولن يتم اغفالها.

اعطت الزيارة الى السعودية رئيس القوات اعترافاً بمكانته في قوى 14 آذار، وحتى انها كرّسته اولاً بين متساوين لدى المسيحيين ضمن هذه القوى، فكيف سيستثمر جعجع هذا الامر؟ الايام المقبلة كفيلة بالاجابة على هذا السؤال.