في الاسبوع الاخير من تشرين الاول الماضي حطت طائرة الدكتور سمير جعجع في الرياض ليستمع الى "تمنيات" القيادة السعودية بالسير في التمديد وهكذا كان. في مقابل وعود بعدم سير المملكة تحت اي ظرف بترشيح العماد ميشال عون والقبول به بموجب تسوية تنتج عن تفاهم ايراني- اميركي من جهة وينسحب من جهة ثانية تفاهماً سعودياً - ايرانياً. ورغم ان الرئيس سعد الحريري وقتها كان منزعجاً من ممانعة "القوات" و"الكتائب" التمديد الثاني لمجلس النواب لانه عرابه الاساسي، لكنه امتعض بشدة من خطوة جعجع غير المنسقة معه الى الرياض لذلك ارسل في طلب النائب سامي الجميل وساواه معه في الاستقبال ومكان الاقامة ونوعية اللقاءات. وتتحدث "الكوادر القواتية" في هذا السياق عن وجود محاولة لإيقاع شرخ بين الحليفين "الكتائب" و"القوات" من جهة وبين "المستقبل" و"القوات" من جهة ثانية فالتمديد كان في حاجة الى غطاء مسيحي أمنته "القوات" لاستحالة إجراء الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية المعطلة بفيتو من ايران وحلفائها.

"النوم على الحرير" لم يعد يهدئ من قلق وأرق جعجع الذي يزور السعودية اليوم ايضاً بطلب من قيادتها وفي محاولة لتطمينه ان الحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" وكذلك الحوار السابق بين الحريري وعون لن يدفع بعون الى كرسي بعبدا. وفي الحلبة الرئاسية ايضاً لا يزال جعجع يتخوف من اية تسوية على حسابه رغم انه يكرر انه لن يكون لا هو ولا عون في بعبدا كما يسرد ما يتردد في الاوساط المسيحية ان الحريري ابلغ الكاردينال الراعي ان جعجع ليس مرشح المستقبل او 14 آذار. وكذلك ابلغت 14 آذار الراعي ان جعجع ليس مرشحها وهي مستعدة للسير بالنائب روبير غانم او رياض سلامة كمرشح توافقي.

واذا كانت بكركي تسعى في هذه الايام الى إعادة إحياء التواصل بين الاقطاب الموارنة الاربعة، فإن الراعي سعى في حزيران الماضي الى ترطيب الاجواء بين جعجع وعون بعد وفاة والد جعجع حيث طلب الراعي الاجتماع برجل الاعمال شارل الحاج الذي تربطه علاقات طيبة ببكركي ومعراب وبمسؤول الملف الكنسي في "التيار الوطني الحر" غابي جبرايل. وحاول الراعي ترتيب لقاء للمصالحة بين جعجع وعون الا ان ذلك اللقاء لم يتم واستسلمت بعدها البلاد الى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لم يكتب لها النجاح وبقي جعجع يخرج بعد كل جلسة لا تنعقد بنبرة اتهامية عالية ضد عون وحلفائه.

واخيراً ابدى جعجع رغبته في زيارة عون في الرابية اذا كانت الزيارة تسهل إجراء الانتخابات الرئاسية على اساس مرشح توافقي او نزول جعجع وعون الى مجلس النواب "للتباري" في جلسة واحدة ومن يحز اكبر عدد من الاصوات وفوق النصف زائد واحداً يفز.

تلقف عون ايجابية جعجع في إبداء "الرغبة الشكلية" بالتواصل لكنه اقرن موافقته بألا تكون الزيارة مشروطة او مرتبطة بأمر انسحاب عون من السباق الرئاسي. فعون مرشح من فريقه ومتمسك بترشيحه حتى النهاية وهو من يملك الحضور السياسي والنيابي والوزاري وفيه تنحصر مواصفات الرئيس التوافقي والذي يجمع حوله اللبنانيون. بينما عبر حلفاء جعجع منذ زمن ان الهدف الاساسي للسير في ترشيح جعجع نفسه انه كان لقطع الطريق على ترشيح عون.

وتكاد تجزم اوساط سياسية بارزة في 8 آذار بأن الحوار بين جعجع وعون لن يتم الا بعد ان تتضح صورة المرشح التوافقي الذي يفترض ان ينتج من تسوية بين اللبنانيين وبدعم وغطاء دولي واقليمي، فيكون الاجتماع مثمراً وناجحاً للاتفاق على اسم الرئيس العتيد.

ورغم كل ذلك تؤكد مصادر قيادية في "التيار الوطني الحر" ان العماد عون منفتح على اي حوار مع جعجع او غيره. حيث من شأن اي حوار ان يقرب وجهات النظر وينظم الخلافات. لكن عون لا يقبل بحوار مشروط او برغبة اجهضتها الاحكام المسبقة والتوقعات بالربح والخسارة قبل القيام بالفعل. وعليه تؤكد وجود مساع وجهود يبذلها اصدقاء مشتركون وناشطون على خط الرابية- معراب من دون الجزم بنضوجها في الفترة الراهنة.

الكلام الايجابي عن حراك ماروني لإخراج الاستحقاق الرئاسي عبر الحديث عن مسعى فاتيكاني او مبادرة فاتيكانية، ليس الا حثاً للبطريرك الراعي على الاستمرار بجمع الموارنة وتوحيد صفوفهم. فبعد لقائه عون وفرنجية يتوقع ان تشمل اللقاءات الرئيس الجميل وجعجع من دون التفاؤل كثيراً باتفاق الاقطاب الاربعة على اسم رئاسي واحد لان الثلاثة، عون وجعجع والجميل يؤمنون بأحقية وصول كل منهم الى بعبدا فيما يتركز الجهد الدولي غير الفاعل على اسم خارجهم عندما تحين الفرصة او عندما يأتي دور لبنان على سلم الاولويات. وحتى تلك اللحظة لن يوفر جعجع فرصة لقطع الطريق على عون الى بعبدا حتى لو كان الثمن ان يزور الرابية حافياً!