عاد رئيسُ الحكومة تمام سلام من العاصمة الفرنسية لتعودَ معه الملفاتُ المثقلةُ والمؤَجَّلةُ منذ حين، ومجلس الوزراء الذي سينعقد هذا الأسبوع مثقلاً بالبنود المتفجِّرة ولكن التي لم تعد تحتمل الإنتظار. فغداةَ وصولهِ إلى بيروت انفجر مجدداً ملفُ مطمرِ الناعمة الذي يُفتَرَض أن يُقفَل في السابع عشر من كانون الثاني المقبل، أي بعد شهرٍ تماماً، فيما لم يتأمّن البديلُ بعد، حيث كان هناك إقتراحٌ حكومي بأن يكونَ البديلُ في الشمال لكن صدرت إعتراضاتٌ من أبناء المنطقة ترفض هذا الإقتراح. كيف سيتصرف مجلس الوزراء حيال هذين الإعتراضَيْن:

إعتراض أبناء منطقة الناعمة على التمديد للمطمر وإعتراض أبناء الشمال على نقل المطمر إلى منطقتهم؟

ليس هذا البند الوحيد المتفجِّر على طاولة مجلس الوزراء، فهناك ملفُ تلزيمِ إستخراج الغاز من البحر والذي يبدو أنه يترنَّحُ بين الإعتراضاتِ الحاليةِ وبين مَن يُفضِّل سحبه من التداول إلى حين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي الحالَيْن يبدو أن هذا الملف هو أكبرُ من الحكومةِ الحاليةِ حيث إن أي قرار فيها يحتاجُ إلى موافقةِ أربع وعشرين وزيراً في القضايا الصغيرة الى درجة تعيين حاجب، فكيف بالقضايا الكبيرة والإستراتيجية كمثلِ تلزيمِ إستخراج الغاز؟

المُلاحَظ أن كثيرين لم يعودوا يتحدثون عن ملف رئاسة الجمهورية، هل المسألة متعمَّدة؟

هل أُحبِط جميعُ الذين كانوا متحمِّسين إلى إنجاز هذا الملف؟

ماذا بعد المراوحة في شأنه؟

ملف رئاسة الجمهورية لم يُطرَح جدياً على النار بعد، كل ما هو متداول لا يعدو كونَه إستمزاجَ آراءٍ وتبادل وجهاتِ نظر، فالدول المعنية بالملف لم تُعطِ إشارة الإنطلاق للمئة متر الأخيرة في هذا السباق، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأولويات بالنسبة إلى العالم تكاد أن تضعَ لبنانَ في المرتبة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة على أبعدَ تقدير.

في مقابل اللامبالاة الدولية، وإنْ بدت غير ذلك، هناك حماسةٌ داخليةٌ للملف الرئاسي لكنها حماسة لا تُصرَف في أي مكان لأن معظم الأطراف في الداخل لا يملكون سلطةَ قرارهم بل إنهم يُسهِّلون أمورَهم من خلال الإستماع إلى ما يقوله الخارجُ، وفي هذه الحال لا إمكانية لإنضاج ملف الرئاسة على الأقل داخلياً.

ثم إن هناك مقولة خطيرة جداً بدا التداول بها على نطاق ضيِّق ولكنها آخذةٌ في الإتساعِ وهي تقول:

إذا كان معظم الملفات يجري البتُّ فيها من دون رئيس فما حاجة البلاد إلى رئيس؟

ينطلقُ هؤلاء في مقولتهم من ان ملفَ سلامةِ الغذاءِ وملفَ الفسادِ في الدوائر العقارية، وملفَ الهدر في قطاع المحروقات بالنسبة إلى تسليمها إلى بعض الإدارات الرسمية بطرق ملتوية، يجري البتُ فيها بطريقة سريعة وجدية، فإذا كان الأمرُ كذلك لماذا لا يبقى الوضعُ على ما هو عليه خصوصاً إذا جاء رئيسٌ تنطبق عليه صفةُ العرقلة لا صفةُ الحلحلة؟

خطيرٌ هذا الطرح، وأخطر ما فيه انه يوصِل إلى قناعة ولو مصطنعة بأن لا حاجةَ بعد اليوم إلى رئاسة وإلى رئيس، فهل هذا هو المطلوبُ؟