نترَقّب قدومك هذه السنة، كما في كُلِّ سنة، لنُحمّلك آمالَنا وآلامنا، أَفراحنا وأوجاعنا، ولائحة بِكَمٍّ من الإنتظارت.

فنحنُ يا أيّها الآتي، ننتظِرُ منك، بادىء ذي بدء، أن تُنقّينا من الشّر الذي فينا، فتُنقذنا من ذاتنا الساقطة التي تتمسّكُ بالهوان والتمرمغِ في تراب الأرض، والإقتيات من ثقافة النفايات التي صحّرت مواطن المحبّة فينا، وسَدّت أَوردة التلاقي والتآخي بدُهن الكبرياء الغليظ. ننتظرُ منكَ أن تقلَع الشرَّ الذي في باطِننا، فتهدم، وتنقض، وتَبني وتغرس، فتصوّرنا من جديد أبناءً لك لا تَشوبُنا شائبة ولا تُلوّثنا كبيرة.

ننتظر منك يا أيّها الآتي عشيّة ميلادك بالجسد، أن تُحرِّك أحشاء الأغنياء على محبّة الفقراء، فيمتطوا الرحمة وسيلةً للكمال، فيمدّوا أيديهم ويلمسوا الجراح، جراح الإنسانيّة المتألّمة من جرّاء الحرمان واللاعدالة، وسوء توزيع خيرات الأرض، وسوء المعاملة والإستغلال والإستعباد وقِلَّة الإعتبار والتجريح والتنكيل. قُل لَهم يا أيّها الآتي، أنَّ ما مَعهم ليس لهم، بل هو لك، لكَ وحدك، أنتَ أوجدته وجُدتَ به منذ البَدء، وأنّ ما هو لكَ هو لكلّ أبنائك وبناتك. حُثّهم على أن يستثمروا في إخوتهم، لا إخوتهم، وأن يُوسِعوا لهم مكاناً في أفئدتهم وأماكنهم الواسعة، وأن ويُكَدّسوا لأنفسهم، عوض الخيرات الفانية، خيرات لا تَفنى.

وننتظر منك يا أيّها الآتي، أن تقومَ بمعجزة ترتيب بيتنا الداخلي، فتؤَيِّد سياسيّينا بقوةٍ سماوية من سِحرِ روحكَ، فتُسَرِّع خُطاهم إلى المغفرة والإستغفار ومدِّ جسور التلاقي والتواصل والحوار. أُلمُس أفواههم فتتكلَّم بِما يليق بالفضيلة والحقيقة. علِّمهم أَنَّ انحناءة الكبير على حاجات شعبه ومصالح وطنه، هي التي تجعل منه كبيراً. أَبعِد عنهم شهوة السلطة والتسلّط، وشهوة البطن والتملُّك، وما بينهما من شهوات، تَصغر كلّما كبروا، وتكبر كلّما صغروا. إمنع أقدامهم من الإنزلاق في وحول المصالح الضيّقة، فيكونوا أُمناء لشعبٍ ائتمنهم، وحُكماء في وسط شعب حكّمهم به.

ويا أيّها الآتي، ننتظر منك أن تَحوطَ مؤَسّستنا العسكرية المتواضعة بعتادها، القويّة بِعَصَبها وإرادة عديدها، بدرعِ حماية خاصّ. فالأشباح السودُ الذين يُحاولون أن يُطفئوا نور الشمس لينشروا ظلمتهم، يتربّصون بها وبهذا الوطن الصغير. شدّد الرجال لئلاّ يتراخوا. إجعل حصونهم مَنيعة وعَصيّةً عن الإختراق، فيسلَمون ونَسلَم ويَسلم الوطن.

ويا أيّها الآتي، ننتظر منك أن تُطلِق ورشة تنقيّة اسم الله. فالله أبوك، مسؤولٌ كما يُقال، عن سفك دماء الأبرياء، وكَسرِ إرادة الشّعوب، ولَيِّ ذراع الدول. فباسمه يا أيّها الآتي، تُغتصب الجغرافيا وتُنهَبُ ثرواتها ويُزَيَّف التاريخ، وباسمه تُحاك مؤامرة اقتلاع الأقليّات من جذورهم. باسمه ينتشر الرّعب، وباسمه تُفجّر أطنان البارود. باسمه تُجَزُّ الرؤوس، وباسمه تُسبى النساء، وتُستباح الحرمات وتُشرّد العائلات وتُصادر البيوت. باسمه تُدّنّس الأقداس وتُهدم دور العبادة. باسمه يُصادر الفكر وتُلوى الأفكار وتُضطهدُ الفكرة، وباسمه يُقتل "الكفّار" ويتوسّع حبل النّار. أرأيت يا أيّها الاتي لِمَ عليكَ أن تُنقّي اسم أبيك .

ويا أيّها الآتي، إنّ عيون أطفال العراق وسوريا الواسعة وسعَ الحلم، تحلم بالسلام، بالطمأنينة، بصُبحٍ يطلعُ وهي في أحضان الحُبّ، بشمسٍ تحملُ أملاً جديداً. بيدٍ دافئةٍ تَحوط وتحمي. بسقفٍ يَقيها برد الشتاء وقيظ الصيف. بأقلام التلوين لتصوّرَ عالمها الخياليّ الخالي ممّا يُعيب وتهرب إليه.

أرأيتَ يا أيّها الآتي كم هي كبيرةٌ انتظاراتنا منك. أرأيت كم وكم تُعاني الخليقة التي أبدعت. أفلا يجدر بكَ والحال هذه، أن تُسرِع فتَشُقّ عِباب السّماء، وتنزل مصحوباً بنار المحبّة فتُحرق نار البارود والعنف والقتل والترويع والتنكيل، وتُسَوّي أبنية البُغض والحقد أرضاً، وتُشَيّد مكانها صروحاً للتلاقي والآخاء والحوار والقبول والمحبة والحقيقة والعدل والسلام.

بلى.

فيا أيّتها السماوات انشقّي، ويا أيتها الغيوم، امطري الآتي، الذي أتى والذي سيأتي.