في الثمانينيات من القرن الماضي، وصف وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز، الذي خَلَف الكسندر هيغ، بيروت بالطاعون، لكثرة ما كان يشوبها من أعمال أمنية ولا سيما في مطارها، ومنذ ذلك الحين إتخذت الولايات المتحدة الأميركية قراراً بحظر هبوط الطائرات اللبنانية في المطارات الأميركية.

***

بعد ثلاثين عاماً على هذا التوصيف المسيء وعلى هذا القرار، إنقلب السحر على الساحر، تكاد عواصم كثيرة في العالم، ولا سيما المتقدِّم منه، ينطبق عليها التوصيف الذي قدَّمه شولتز:

ها هي سيدني، إحدى عواصم الغرب، تُصاب بالهلع من جراء عملية إرهابية. لاجئ فيها جعلها تعيش في حال من التوتر والخوف على مدى ساعات النهار، إحتجز في خلالها 17 رهينة، في مقهى في وسط المدينة التجاري والمالي، ولم تنتهِ العملية إلا بعدما إقتحمت القوات الخاصة التابعة لشرطة نيوساوث ويلز الأوسترالية المقهى وأنهت إحتجاز الرهائن، ولكن بكلفة في الأرواح حيث سقط ثلاثة قتلى بينهم الذي أخذ المواطنين رهائن.

وخلال الإحتجاز أجبر المسلح بعض الرهائن على رفع علم تنظيم جبهة النصرة، كما طالب السلطات الأوسترالية تزويده علم داعش.

***

بالتزامن مع هذه الحادثة، وفي قارة أخرى، كانت عملية من نوعٍ آخر تجري في بلجيكا حيث إعتقلت الشرطة البلجيكية ثلاثة رجال، إثر إقتحامها شقة في إحدى المدن وكانوا يحتجزون رهينة بداخلها.

***

في عطلة نهاية الأسبوع، وتحديداً يوم الأحد الفائت، شهدت مدينة نيويورك أكبر تظاهرة منددة بحوادث قتل الشرطة لمواطنين سود، إذ وصل عدد المتظاهرين إلى 60 ألفاً، وهو أكبر عدد للمحتجين منذ بداية تظاهرات فيرغسون في آب الماضي.

في الموازاة كانت واشنطن تشهد تجمعاً لآلاف الأشخاص، وغالبيتهم من الشبان السود كانوا يردّدون شعارات لا عدالة، لا سلام.

***

إذاً، من سيدني، إلى بروكسل، إلى نيويورك، إلى واشنطن، إلى فيرغسون، إلى غيرها من العواصم والمدن الأميركية والأوروبية والأوسترالية، لم يعد طاعون الإرهاب الذي تحدَّث عنه جورج شولتز محصوراً في عاصمةٍ واحدة أو مدينةٍ واحدة، بل هو يجتاح أكثر من عاصمة.

مَن كان يتصوَّر مثلاً أنَّ بريطانيا تراقب مواطنيها في أسفارهم لئلا ينتقلوا إلى حيث يتواجد تنظيم داعش وجبهة النصرة؟

ومَن كان يتصوَّر أنَّ عائلات فرنسية تعرَّفت على أبناء لها وهم ملتحقون في صفوف داعش؟

هكذا أصبح العالم، وهكذا أصبح الغرب، حكومات تراقب شعوبها لئلا يلتحق بعض أفرادها بالإرهابيين، إنَّها إذاً حربٌ عالمية أولى ضدَّ الإرهاب وما من بلدٍ أحسن من بلدٍ آخر، وما من عاصمة أفضل من عاصمة أخرى، فلماذا المكابرة ولماذا الحديث عن عواصم وكأنَّها أكثر إرهابية من غيرها؟

بهذا المعنى يأتي لبنان في المراتب السفلى في اللائحة وليس في المراتب العليا كما يحاول البعض أن يضعه، أما الدول التي كانت تسعى جاهدة لوصفه بالإرهاب، فما عليه سوى ترتيب أوضاعها لأنَّ الإرهاب طَرق أبوابها فيما هي تتطلَّع إلى أبواب الآخرين.