قد يكون “الحكيم” مهتمًا بسماع الكلمة المفتاح عن أسهمه الرئاسيّة الهابطة من الفم السعودي نفسه، ولكنه مهتمٌّ أيضًا بإرساء المعادلة التالية: إن لم أكن أنا فلن يكون عون.

الموعد مرسومٌ سلفًا في الأجندة المعرابيّة وبالتالي لا حاجة الى تحميل الزيارة الكثير من “الروابط” البانية على التوقيت على ما تؤكد مصادر معراب لـ “صدى البلد”. ليس ذاك الكلام كافيًا لغض الطرف عن حقيقة الأحداث التي سبقت الزيارة وتلك التي ستليها. فماذا يفعل رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانيّة في المملكة؟

بندٌ رئيسٌ... وحيد

ليست زيارة جعجع حكمًا خارج السرب الرئاسي وإن حاول الكثيرون وضعها في خانة إنعاش العلاقة بين معراب والسعودية التي يصرّ بعضهم على تظهير جفائها لأطرافٍ محليّة كثيرة من بوّابة “إقفال الحنفيّة” في إشارة الى الأموال التي كان يتقاضاها أفرقاء كثيرون مقابل أثمان وتنازلاتٍ غير مفضوحة. قد تبدو زيارة عاديّة مُدرَجة على لائحة السفريّات الموسميّة التي يخطّط لها جعجع مسبقًا وذلك في حال التسليم بما يصرّ عليه القواتيّون ومفادُه أن الزيارة “معلّبة وليست طارئة كما أنها غير مرتبطة بكلّ ما سبقها وما سيليها”. هذا في الظاهر التسطيحي، أما في حقيقة الأمور فلا يمكن للملف الرئاسي إلا أن يكون بندًا رئيسًا إن لم يكن وحيدًا على لائحة أهداف الزيارة وماهياتها، حتى بين أنصاره المعدودين الذين خرجوا لاستقباله في الدُور السعودية.

أجوبة شافية

تكتسب زيارة جعجع الى أبناء آل سعود أهمّيتها من كونها أشبه بأجوبةٍ صريحة عن جملة عناصر متضافرة: أولاً ما حمله الموفدون الدوليون في حراكهم المكثّف الى لبنان أخيراً في سبيل دفع الملف الرئاسي قدمًا وبنوع خاص الموفدان الفرنسي جان فرانسوا جيرو وميخائيل بوغدانوف. ثانيًا، المدّ والجزر اللذين رافقا مبادرة العماد ميشال عون الى لقاءٍ يجمعه بجعجع ودخول بكركي على خطّ لمّ شمل “الابنين الضالين” علّها تفلح في إنهاء “مسخرة” الشغور بوضع حدٍّ لكليهما والنفاذ الى مرشّحٍ يرضيان عنه أو يزكّيانه. ثالثاً، ليس عبثًا أن يخرج جعجع بموقفٍ اعتبره الكثيرون تقدّميًا في مسار رحلة البحث عن رئيس، إذ علمت “صدى البلد” أن “جعجع بتأكيد انفتاحه على مرشّح توافقي، لم يقصد أن يعكس تسليمه بانسداد الأفق الرئاسي أمامه بقدر ما كان يريد أن يذهب الى السعودية بموقفٍ أشبه بسلاحٍ يعكس لينَه في الموضوع تمهيدًا لاستدعاء السعودية افتراضيًا موقفاً مماثلاً من عون، ومتى لم تحصل عليه يمكنها نشر الكلمة بكلّ راحة ضمير وثقة: عون يعرقل حتى التوافق”. ثالثاً، تأتي هذه الزيارة قبل أيامٍ معدودة من الحوار المُنتظَر بين حزب الله و”المستقبل” والذي أعلن عنه الرئيس نبيه برّي أمس أمام نواب لقاء الأربعاء وصوّره بمثابة “عيديّة”. حتمًا لم يُرِد جعجع قضاء عطلة العيد تحت السماء السعودية الحارّة وهو الخيار غير المغري أمام صقيع مرتفَع معراب الذي لا يُخرسه إلا نبيذ الداخل، ولكن “الأجندة” شاءت أن تكون الزيارة بمثابة تحميةٍ للعيد مع تعليق آمالٍ مسبقة على أن يعود الحكيم بجائزة ترضيةٍ على كلمة التنحّي التي هُمِست في أذنه من هناك تسهيلاً لإنهاء الشغور شريطة ألا يكون تنحيًا مُذلاً، من هنا كان الاتفاق على نوعٍ من التروّي في انتظار طيّ الحلقة الأولى الشكليّة من حوار الحليف والخصم، والانطلاق بعدها في حوارٍ مع الرابية يُفضي الى انسحابٍ مشرّف من الحقل التنافسي لصالح مرشّح توافقي قد لا يتفق عليه الطرفان فيكون المبدأ أن جعجع انسحب لصالح “التوافقي المُنتظر” أيًا يكن.

صداقة لا أكثر...

تنفي مصادر معراب عبر “صدى البلد” كلّ التحليلات التي تضع زيارة جعجع الى السعودية في خانة قطع الطريق على عون، مشددةً على أن “كلام جعجع على استعداده للبحث في مرشّح توافقي ليس جديدًا بل عمره أشهرٌ وطرحه على شاكلة مبادرة كحلّ للمشكلة الرئاسيّة”. وعن توقيت الزيارة تقول المصادر: “لا نفهم لمَ الإصرار دومًا على الوقوف عند التوقيت ربطًا بأحداث أخرى، سبق وأكدنا أن الزيارة أتت بناءً على موعدٍ سابق لا أكثر”. وتشير المصادر الى أن “هذه الزيارة تدخل في شقّها الأكبر في خانة الصداقة التي تربط الحكيم بالقيادة السعودية وتناولت مواضيع جمّة ومن بينها الملف الرئاسي”.

زاويتان في الرابية

بحذرٍ تنظر الرابية الى هذه الزيارة لا من باب “تزكية” السعودية لجعجع رئاسيًا وهو ما لا يمكن أن يحصل، بل من باب ربطها بطبيعة تفاعله العملاني مع دعوة عون الى اللقاء. وعلمت “البلد” أن “جعجع كان قد أرسل حتى قبل مؤتمره الصحافي أكثر من رسالةٍ إيجابية الى عون عبر أكثر من وسيط، وكانت الرابية تنظر بترقب الى هذا الموضوع ركونًا الى ارتباطات جعجع الخارجية وعدم ثقتها فيه بعدما خرق الإجماع في محطتين مفصليّتين (مشروع اللقاء الأرثوذكسي والتمديد الثاني لمجلس النواب)، من هنا تأتي قراءتها للزيارة من زاويتين أولاهما استقباله بحفاوة من السعوديين علمًا أن هذا الاستقبال قد يكون علامة على رسالةٍ واضحة أراد السعوديون أن يوصلوها الى جعجع ومفادها الانسحاب على أن يضمنوا له شرف ذلك أي الانسحاب بكرامةٍ وبرأس مرفوع لحساب مرشّح آخر غير مسمّى. أما ثانيتهما فربط الزيارة بضوءٍ أخضر لخوض الحوار مع التيار الوطني الحرّ أو عدمه يعود به جعجع من هناك، وبالتالي فإن أيّ عرقلةٍ مموّهةٍ لموضوع اللقاء ستحمّل الرابية مسؤوليته بكلّ راحة ضمير الى المملكة. علمًا أن عون سيفهم من أولى الإشارات فور عودة جعجع ما إذا كانت هناك قابلية للقاء غير مَنظري أم لا، خصوصًا أن الجنرال واثقٌ من أن “المستقبل” لا يمانع لقاءً مماثلاً تمامًا كما لا يتدخّل حلفاؤه في مثل هذا القرار”.

خوفاً من الإحباط

لم تختمر فكرة “التوافقي” في الرابية بعد على ما علمت “البلد” خصوصًا أن عون لن يتراجع خوفاً من إحباط قاعدته، وبالتالي قد تكون حركة بري وما يرشح عنها بلا بركة ملموسة، تمامًا كما قد تكون عودة جعجع باسمًا غير ممانِع للحوار مع الرابية مجرّد إشارةٍ لودٍّ موقتٍ سرعان ما سيخرج بلا توافق على التوافق.