- كان الرئيس الكوبي فيديل كاسترو أحد قادة الثورات التي غيّرت وجه التاريخ، وكان للجغرافيا الدور الحاسم في ارتباط اسمي كوبا وكاسترو بالمكانة المميّزة بين الثورات، فقرب كوبا من أميركا جعل لثورتها قيمة تاريخية استثنائية، كدلالة على أنّ نصر الشعوب ممكن مهما كان حجم المخاطر والتحديات. والجغرافيا ذاتها جعلت كوبا الثائرة تحت الضغط والتهديد الدائمين كشوكة يستعصي على واشنطن ابتلاع وجودها على مرمى حجر من شواطئها، بإرادة متحدية ومستقلة، كبرهان يومي على ضعف الدولة التي تحكم العالم كله بقوتها، وتقف حدود سلطانها على شواطئ هذه الجزيرة الصغيرة.

- أضافت كوبا إلى معجزة الانتصار معجزة الصمود، وحماية قرار الاستقلال، وصارت حاضرة الفكر الثوري وحاضنة الثورات في أميركا اللاتينية، التي تخرّج قادة ثوراتها من مدارس فيديل كاسترو وأرنستو تشي غيفارا، وصارت لاعباً في الأزمات الدولية الكبرى بسبب الجغرافيا أيضاً، فهي حليف صادق وصديق مع الاتحاد السوفياتي ولاحقاً مع روسيا الاتحادية والصين دائماً وكلّ حركات التحرّر في العالم، وكلّ دولة تسعى إلى تثبيت حقوقها وقرارها المستقلّ، وبسبب الجغرافيا، كلما بلغت الأزمات العالمية الكبرى درجة الغليان تتجه العين إلى كوبا، حيث تكون الجغرافيا سبباً لاعتمادها خط التماس المباشر مع العنجهية الأميركية، فلا تتردّد كوبا، في لعب دور الخط الأمامي، لإيصال رسالة شعوب العالم وقواه الحية. هذا ما حدث في الستينات أيام أزمة الصواريخ الشهيرة التي قرّرت موسكو نصبها في كوبا رداً على التصعيد الأميركي في سباق التسلح، وهذا ما كان يبدو سياقاً متوقعاً إنْ أرادت واشنطن مواصلة السير في نشر الدرع الصاروخية في أوروبا تحدياً للأمن الروسي.

- أمس كان يوماً تاريخياً في حياة كوبا ومسيرتها وزعيمها وقائد ثورتها فيديل كاسترو، فبعدما قلّده أحرار العالم وسام رجل السلام العالمي ومنحوه جائزة كونفوشيوس للسلام في بكين قبل أيام، قرّر الرئيس الأميركي السير بخطة رفع العقوبات وإزالة الحظر عن كوبا، والاعتراف بالحقيقة الكوبية، والتسليم بأنّ كسر إرادة هذا البلد وهذه القيادة مستحيل بمستحيل.

- قد يريد الأميركيون أن يحيّدوا كوبا من النزاع المتصاعد مع روسيا، وهذا لن يغيّر شيئاً، فروسيا بثباتها ومواقفها، تخلق فرصة لنصر لم يكن متوقعاً، بالتسليم الأميركي بالحقيقة الكوبية التي ستصير بداية حقيقة أميركية لاتينية وبعدها حقيقة عالمية، وسيكون بدلاً من كوبا، التي سيكون من حق شعبها وحكومتها، المضيّ قدماً في سياسة التطبيع والتنفّس، أكثر من بلد يستضيف الصواريخ الروسية إنْ قرّرت موسكو نشر درع صاروخية، هذا قبل أن يفاجئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بالقول إنّ روسيا لا تحتاج إلى مواقع برية لنصب درعها الموازي إنْ فعلت واشنطن ونشرت الدرع في أوروبا، فأميركا بلد محاط بالبحار، ولا حاجة إلى اليابسة لإحاطته بالصواريخ الروسية التي أعدّ جيلها الجديد لينصب في قعر المحيط، حيث تستعدّ البحرية الروسية لتأسيس نسق جديد من القواعد.

- إنْ احتاج الأمر ستكون هافانا كما يؤكد من يعرفون قيادتها جيداً، لتضع جانباً وجبة الرفاه التي تحتاجها لشعبها من تطبيع العلاقات مع واشنطن، وتنخرط كخط أمامي في أيّ مواجهة مصيرية قادمة.

- مبروك كوبا…

- مبروك للزعيم فيديل كاسترو.

- مبروك للرئيس فلاديمير بوتين.