بدأت خطة مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستيفان دي ميستورا بشأن تجميد القتال في حلب على أن تمتد الى مناطق أخرى في سوريا تأخذ منحى ايجابيًا بعد الدعم الذي حصلت عليه من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الإثنين الماضي، بالرغم من التحفظات الفرنسية والبريطانية التي اعتبرت أن "تجميد القتال" في حلب، قد يجعلها أقرب الى سيناريو حمص، التي سيطر عليها الجيش السوري بعد أن فرض حصارًا محكمًا على المجموعات المسلحة فيها ما اضطرها في النهاية الى القبول بالمصالحة وتسليم أسلحتها الثقيلة الى الجيش السوري. ولعل القلق الفرنسي - البريطاني على مصير المجموعات المسلحة المدعومة من الغرب في حلب، هو قلق طبيعي لأن موازين القوى العسكرية في حلب تبدو واضحة لصالح الجيش السوري وهذا يعني أن تجميد القتال سيسمح بتكريس أمر واقع لصالح النظام.

وقد تكون محدودية الخيارات لحل الأزمة السورية - كما أعلن عنها دي ميستورا - والمآزق التي تجد المجموعات المسلحة نفسها فيها - بالرغم من المكابرة- والخشية الاوروبية من الارهاب العائد اليهم والذي بدأ يتفلت من قبضة المخابرات التي سهّلت خروجه والتحاقه بالقتال في سوريا، هي من الأسباب التي رجحت كفة الاوروبيين المؤيدين لخطة دي ميستورا على معارضيه من الاوروبيين في اجتماع بروكسل الأخير.

وكان لافتًا للانتباه أن البيان الاوروبي واكب المسعى الروسي للحل السياسي في سوريا، كما أعلن عنه نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف خلال جولته في المنطقة، فقد أكد الاوروبيون على ضرورة إشراك المعارضة الداخلية، متخلّين لأول مرة عن مبدأ إعلان الائتلاف "ممثلاّ شرعيًا وحيدًا للشعب السوري"، ومعلنين أن الائتلاف هو مجرد "جزء" من معارضة "معتدلة" تستحق الدعم للقيام بدور حيوي في "إيجاد تسوية سياسية مستقبلية ومحاربة الجماعات المتطرفة على الأرض".

أما الأخطر في البيان الاوروبي، والذي قد ينسف خطة دي ميستورا، أو يعيدها الى نقطة الصفر بعد كل التقدم الذي حققته من خلال الحصول على الدعم الروسي العلني، والتأييد الاوروبي لها، فهو التشديد على ضرورة وجود مراقبين دوليين لعملية تجميد القتال هذه، على أن يعمل هؤلاء تحت إشراف مجلس الأمن الدولي. إن تحقيق هذا الشرط الاوروبي، قد يعطّل خطة دي ميستورا، للاسباب التالية:

- لأن العودة الى مجلس الأمن للإتفاق على مهمة هؤلاء المراقبين وأعدادهم وجنسياتهم وتحديد القواعد التي تحكم عملهم دونها عقبات عدّة، وقد تؤدي الى تجاذبات بين الدول الكبرى، ما يعرقل الخطة بكاملها وهذا ما تريده المجموعات المسلحة المدعومة من الخارج، والتي رفضت خطة دي ميستورا وكبلتها بشروط تعجيزية.

- إن أي قرار من قبل مجلس الأمن على تكليف مراقبين دوليين لمراقبة تجميد النزاع مع صلاحيات تدخلية ( بموجب الفصل السابع)، سترفضه الدولة السورية وحلفائها، لأنه سيمسّ حكمًا بالسيادة السورية، وقد يشكّل غطاءً لتدخل غربي عسكري لصالح المجموعات المسلحة.

- إن وجود المراقبين الدوليين على الحدود الفاصلة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة قد يؤدي الى تقسيم لحلب أو اقتطاع جزء من الاراضي السورية، أو يجعل الحدود بين الاثنين وكأنها حدود دولية بحكم الأمر الواقع، وهذا سيؤدي الى رفض سوري رسمي للخطة.

في المحصّلة، وبالرغم من التأييد الاوروبي لخطة دي ميستورا والرهان الروسي على الحل السياسي الذي سيبدأ مسيرته في موسكو مع بداية العام المقبل، إلا أن الحرب في سوريا تبدو طويلة، وخاصة أن الأميركيين كانوا قد أعلنوا أن تدريب المعارضة "المعتدلة" لن يبدأ قبل آذار 2015، وأن الأمر يحتاج سنة على الأقل أي آذار 2016، على أقل تقدير. وهذا يعني، أن الهدف المنشود من هذه المعارضة وهو فرض نفسها على المشهد السوري، وإجبار الأسد على الاعتراف بها لتشكّل جزءًا من الحلّ السياسي، لن يكون بمتناول الأميركيين قبل 2016، أي أنهم لن يقبلوا بأي حلول سياسية قبل ذلك... وهكذا يبقى على أصحاب النوايا الطيبة، وعلى السوريين التحلّي بالصبر وتحمّل الحرب وويلاتها حتى انتهاء الأميركيين من تأسيس "فرقة الخيّالة"، ليبنوا على الشيء مقتضاه.