الطائفة المارونية، من اهل المعرفة فيها والثقافة والنُخَب، الى ذوي الإهتمام من العوام، باتت تخجل من نفسها ومن التاريخ ومن الرئاسة المارونية المخطوفة، فيما تُوجَّهُ أصابع الإتهام وبالجرم المشهود، الى قيادات مارونية لم تقتنع بعد باستحالة جمْعِ سيفين في غمْدٍ واحد.

إنه المشهد المذهل، الذي يكرّر نفسه منذ سنة 1988، يوم راحت السواعد المارونية: العسكرية - والمعسكرة تتوحد على تنافرها، لتفرض انتخاب رئاسة الفوضى، بدل رئاسة مخايل الضاهر. ليس لأن مخايل الضاهر عميل خطير، أو «داعشي» مستتر، بل لأن مخايل الضاهر هو الـ«هو» وليس «الأنا».

منذ ذلك التاريخ، وبسبب هذه «الأنا» المسعورة تكرَّسَ تعطيل الإنتخاب الرئاسي على يد ثنائية مارونية، ولا تزال هذه الظاهرة تكرر نفسها على يد الثنائية المارونية نفسها، حتى كاد تعطيل هذا الإستحقاق يصبح اجتهاداً دستورياً، أو عُرْفاً تقليدياً في أسواق النخَّاسين، ولا يمكن اختراقه إلا إذا انتصب فوقه سيف وصاية جديد، أو إذا لوَّحَتْ يد أمير برنين الدنانير.

نعم... هي الوصاية السورية كانت تعطل غريزة تعطيل هذا الإستحقاق، أو حين كانت القيادات المارونية المتقاتلة بشراسة حول الكرسي، موزعة: بين السجن في أحضان المؤسسة الوطنية الأم، أو في المنفى بين أحضان الأم الحنون.

هل يجب إذاً؟ أن تكون هناك وصاية أو سجنٌ ومنفى، ليكون هناك استحقاق رئاسي؟ بما هو شبيه بالمعادلة التي طرحتها صحيفة المونيتور الفرنسية أبّان الثورة بالقول:

«كان الدم يسيل ولم نفتقد الخبز، واليوم لا يسيل الدم والخبز مفقود، أَيجب أن يسيل الدم لنحصل على الخبز؟» ألا ترون أيها السادة أن هذا الإستمرار الكيفي النازف في تعطيل الإستحقاق الرئاسي بالوتيرة عينها، قد يخلق جواً مشحوناً ضد «الجنس الماروني العاطل» فتصبح شهوة النفوس مبرَّرة في انتزاع رئاسة الجمهورية من الأشداق المارونية المتنازعة؟

ألا ترون، أن هناك أيدي تمسك بخيوط ملّونة: تتلاعب بتفخيم الفخامات لتوسيع الإنشقاق... وتدعيم الترشيحات لتأزيم الإستحقاق، وبين تعطيل الإستحقاق وتعطيل الجمهورية، تصبح سلامة الجمهورية أهمّ وأبقى من مذهبية رئاستها.

إنه النداء الرجاء الذي بات مطروحاً على لسان التاريخ، وإن محكمة التاريخ عندما يتضخم تراكم الآثام تصبح كبوابة جهنم، فليكن الحكم إذاً، للضمير والعقل قبل أن تلفظ محكمة التاريخ حكمها الجهنمي.