من تشاور الى آخر ينتقل ملف قانون الانتخاب منذ سنتين. بعد ايام، تنتهي مفاعيل لجنة التواصل الانتخابي في دورتها للعام 2014، من دون ان يقام احتفال تخرّج لها في ساحة النجمة احتفاء باقرار قانون جديد. ولكن، وعلى غرار كل الملفات اللبنانية في الآونة الأخيرة، سيتكفّل الممسكون بالقرار السياسي بمنح اللجنة جرعة تمديدية، سترحّل اعمالها الى ما بعد الأعياد. ولكن السؤال الذي طرح في الساعات الماضية هو التالي: هل ستجتمع اللجنة مجدداً؟ وبأي افق؟

في الواقع، لا يخفي اعضاء اللجنة في مجالسهم الخاصة عدم قناعتهم بجدوى استمرارها، لكنهم يفضّلون في الوقت الراهن استرجاع عنوان احدى مسرحيات زياد الرحباني "لولا فسحة الأمل". فعملياً، تبدو لجنة التواصل كمن يعيش من قلّة الموت، تجتمع وتجتمع وتجتمع من دون أن يأكل اللبنانيون العنب من كرومها. ففي مكان ما، الجميع يعرف، داخل اللجنة وخارجها، ان ساعة اقرار قانون انتخاب جديد لم تأت بعد، وأن الارادة السياسية لدى الممسكين بمفاتيح الحلّ والربط، لا تنحو في هذا الاتجاه، بل تقوم بما يلزم لابقاء الوضع على ما هو عليه، وقطع الطريق على رمي أي حجر يمكن ان يحرّك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني...

هنا، لا تتعلّق القضية برغبة مستجدة، بل يعود العارفون 25 عاماً الى الوراء، الى اتفاق الطائف وما تلاه، ويرجعون بعقارب الساعة في الفترة الأخيرة الى ايار من العام 2013. فمنذ ذلك الحين، وضع لبنان في خانة الhold... وكل ما عدا ذلك تفاصيل. فترجم نقل لبنان الى ثلاجة الانتظار، تمديداً اولاً، وشغوراً رئاسياً، وتمديداً ثانياً سينسحب بدوره على قانون الانتخاب. خلال هذا المسار، جلس "المتخاصمون" حول طاولة واحدة في مجلس الوزراء، ويتحضّر قسم منهم الى تكرار التجربة ثنائياً، كما هي حال تيار المستقبل وحزب الله، على القاعدة التالية: اذا كان اي تغيير غير مرتقب راهناً، فلنحافظ على ما هو قائم، في انتظار ما هو متاح".

ماذا حدث أخيراً؟ علّقت القوات اللبنانية مشاركتها في اللجنة، لكن ملائكتها بقيت حاضرة، مع احتفاظها بتوقيعها على القانون المختلط التي اتفقت عليها مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، عشية ما وصف "بالالتفاف" على الاقتراح الارثوذكسي.ارادت القوات الاحتفاظ بهامش من المناورة. وطالما أن شيئاً لن يقر في غيابها، لعدم توافر الرغبة السياسية بذلك، فلا مانع اذاً من "استعراض" سياسي لن يزيح في قواعد اللعبة اي حجر.

بعد ساعات على الخطوة القواتية، وصل رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم الى عين التينة. وعند دخوله الى مكتب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، سمع وهو يسأله " شو بدنا نعمل؟"، فما كان من بري الاّ ان اجاب " هيني...الحلّ موجود". بعد نصف ساعة، خرج غانم ليؤكد ما سبق لبري ان اعلنه امام زواره "ان عمل اللجنة مستمر".

في رزنامة اللجنة، كان هناك اجتماع مقرر لها امس الخميس. في حديقة عين التينة، وقف النواب اميل رحمة واغوب بقرادونيان وعلي فياض وعلي بزي يتشاوران في ماذا بعد؟ أخذ بقرادونيان هاتفه وطلب رقم غانم قبل ان ينقل الهاتف الى رحمة الذي بادر قائلا " ألو روبير...نحنا واقفين بجنينة عين التينة، ورأينا ما في لزوم لاجتماع اللجنة بكرا (اليوم)...ما رح نجتمع لنجتمع...لبعد الاعياد وعليك خير". بعد دقائق، تخللها تواصل بين غانم وعين التينة، صدر بيان عنه يرجىء الاجتماعات الى ما بعد الأعياد، من دون تحديد موعد لذلك.

أكد بيان غانم ما بات مؤكداً، لجهة أن عمل اللجنة مرتبط ومتأثّر بما يدور خارجها. وهذه المرة، غلّفت عدم القدرة على الانجاز بالعبارة التالية: " بسبب أن الحوار بين الافرقاء سيتم بين العيدين وهو ما يؤدي الى فتح الطريق امام اولويات رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب".

هذا ما اعلن، ولكن كواليس ما يجري تؤكد ان النيات شيء والوقائع شيء آخر، وان لا شيء يوحي في الأجواء بأن هذه الحركة سيكون فيها بركة على الصعيد الرئاسي لأكثر من سبب من بينها أن الحسم لا يكون في لقاء الثنائيتين الشيعية والسنية من جهة، ولأن الطباخين الخارجيين لم ينجزوا الطبخة بعد على مستوى ملفات المنطقة، لتنعكس بدورها حلاً على الساحة اللبنانية.

في الجلسة الأولى التي حضرها كممثل عن تيار المردة، سجّل النائب اميل رحمة في محضر الاجتماع ما يلي: "لسنا قادرين على اقرار قانون انتخاب جديد...فالملفات اللبنانية باتت متداخلة ببعضها البعض، والحل لن يكون الاّ بpackage deal ، اي رزمة واحدة".

اليوم، هناك من يلخّص الوضع بصورة كاريكاتورية مستوحاة من عالم الرياضة ويقول :” يقف المشاركون في سباق قانون الانتخاب عند خط الانطلاق، على غرار ما هو معمول به في سباقات السيارات. يجهزون سياراتهم، ويطلقون العنان لمحركاتهم منتظرين اشارة البداية. وبين الحين والآخر، يسمح المنظمون للمشاركين بجولة تحمية، من دون ان يعني ذلك موعد الانطلاقة الرسمية للسباق"...للاسف، يبدو انه حال قانون الانتخاب ايضاً.