عندما دشّن وزير المالية ​علي حسن خليل​ حملته الإصلاحية دار همس عن مدى جديته: هل إبتكر حملة لتحقيق صدى شعبوي يسابق "نجومية" وزير الصحة وائل ابو فاعور التي إكتسبها في الحملة ضد الفساد الغذائي؟ هل قرر وزير المالية توجيه سهام تصيب قوى سياسية، بإعتبار ان النافذين في الدوائر العقارية أو الذين سطوا على المشاعات وأملاك الدولة محظيون ومدعومون من شخصيات سياسية وقيادية وحزبية؟ بعض أولئك توقع أن لا تصمد حملة خليل طويلاً. إطّلع وزير المال على كل ما يقال. إزداد صلابة في حملته. أساساً منذ توليه ​وزارة المالية​ قرر خليل تصحيح خلل رسخته السنوات وصار عُرفاً في إدارات الوزارة.

دأب خليل على دراسة الملفات بالتفصيل. إستمع الى شروحات المعنيين في الوزارة. لم يمارس كيدية سياسية، لم يستثن أحداً ولم يغيّب مديرا ولم يضع موظفاً منتجاً على الرفّ. كان الهدف عنده: تحقيق الانتاجية وإعادة الحقوق للدولة وإستعادة ثقة المواطن.

تُعرف عن خليل قدرته الواسعة على إستيعاب سريع لمختلف الملفات. عندما كان وزيراً للصحة كان يُضرب به المثل من قبل الأخصائيين في الوزارة حول إلمامه بتفاصيل طبية وعلمية. لم يسبق لوزير نجح بإحاطة تلك التفاصيل كما فعل علي حسن خليل. كان خليل قادراً على تقديم محاضرة كاملة مسندة بالمعلومات والشهادات العلمية بشكل يفوق تحضير صاحب الإختصاص. يدل ذلك على نية وزير المال بعدم الإكتفاء بالقشور والغوص في جوهر الأمور.

يُعرف عن خليل إطّلاعه الواسع ومشاركاته بنقاشات عميقة من الدين الى تشعبات السياسة الإقليمية والدولية والتاريخية والجغرافية. دقيق في معلوماته حول عادات آخر قبائل غابات الأمازون مثلاً، وتصرفات شعوب القرون الممتدة منذ ما قبل الميلاد. لا يُمكن أن تطرح موضوعاً أمام وزير المال إلا يأتيك النقاش والجواب في لحظته.

يملك خليل معلومات مفصّلة دونّها بشكل توثيقي عن يوميات السياسة اللبنانية منذ ما بعد الطائف حتى اليوم. يتفرد بتلك المعلومات التي كان مشاركاً في صناعتها بصفته معاونا لرئيس المجلس النيابي نبيه بري. من تأليف الحكومات الى كواليس صياغة قوانين الانتخابات والوساطات والخلافات وترتيب التحالفات والتحضير للمؤتمرات. كل تفصيل سياسي لبناني منذ التسعينيات الى اليوم مدوّن في دفاتر علي حسن خليل. يستطيع كتابة مذكرات وكتب توثيقية وكشف أسرار إن نشرها خليل ستشكل حدثاً سياسياً.

بإختصار، إن حكى خليل عن محطات التاريخ السياسي الحديث للبنان، سيكشف خبايا ما كان يدور في الكواليس اللبنانية والتداخلات مع الخارج.

ذاع صيته إقليمياً ودولياً الى درجة كان يغمز فيها أمير قطر السابق حمد آل ثاني أيام مؤتمر الدوحة أمام سياسيي لبنان عن هواية خليل. كلما حضر إجتماعاً سأله: ماذا ستكتب اليوم؟

دوره السياسي وتواجده في صلب الحياة اللبنانية جعلاه يطّلع على تفاصيل عدة. عندما وصل الى وزارة المال كانت لديه فكرة بصفته نائباً عن تجاوزات تحصل في دوائر تابعة لتلك الوزارة. سأل وإستفسر وإستحصل على معلومات. تبين لدى خليل ان قلة من المحظيين المحسوبين على كل القوى دون إستثناء تسرق من الأكثرية اللبنانية المحسوبة أيضاً على كل القوى دون إستثناء. إتخذ القرار ومضى في حملة إصلاحية فعلية ستحوز على رضا الشعب.

غداً عندما تعود أملاك المشاعات الى القرى لينعم بها المواطن حدائق عامة وطرقات ستعود الثقة بالدولة. عندما يصل المواطن الى الدوائر العقارية لتخليص معاملات من دون رشوات مفروضة من قبل موظفين فاسدين، سيدرك ان لبنان قادر على محاربة الفساد. عندما تستحصل الدولة على حقوقها المالية المهدورة جرّاء غش المحظيين على حساب المواطنين ستكثر الإيرادات فيرتاح اللبنانيون نفسياً وربما ضرائبياً.

تجربة وزير المالية تثبت ان السياسة الاصلاحية لا تأتي بفعل قرار حكومي ولا خطة رسمية، ولا بشعار يُرفع، بل هي بفعل إيمان وزير على رأس وزارته ومدير في مسؤولياته وموظف ضمن صلاحياته.

إن حكى خليل اليوم عن أسماء الفاسدين والمحميين السارقين طوال عقود مضت سيحدث زلزالا بعدما أحدثت خطته الإصلاحية في المالية إنقلابا يعيد الثقة بالدولة اللبنانية.

إن حكى خليل سيسمي سياسيين وإقتصاديين ومتمولين ومحميين والمحسوبين عليهم ومرموقين في المجتمع، بإعتبار ان سائر فئات الشعب عاجزة لا تستطيع فرض تزوير ولا تهريب أملاك الدولة لحسابات خاصة ولا الغش او المطالبة برشوة على رأس السطح.

خليل قرر أن يحكي للقضاء. والقضاء سيحكي بأحكامه بإسم الشعب. فهل من يتعظ؟