فيما يسعى "حزب الله" جاهداً الى لملمة مشاريع الفتنة الكبيرة والصغيرة من دروب المقاومة واللبنانيين، تصر بعض المجموعات المنضوية في سرايا "تيار المستقبل" على إثارة الغبار الكلامي والاعلامي في وجه كل ما لا يتفق مع توجهها السياسي او تعتبر انه لا ينسجم مع مخطط التوتير والاثارة الذي تخدمه وتعمل عليه هذه المجموعات.

ولعل الاجتماع الذي عقده الرئيس سعد الحريري في الرياض واستدعى لأجله من بيروت اركان تيار "المستقبل" خير دليل على إدراكه "غير المتأخر" ان لعبة توزيع الادوار داخل تياره بين صقور وحمائم لم تعد صالحة. ويؤكد عدم إجتماع معاونه نادر الحريري بأركان "إجتماع الرياض" قبل مجيئه الى لبنان آتياً من "إجازة عائلية"، ان سعد الحريري، مصر على إتمام الحوار مع "حزب الله" بجدول اعمال يحيّد النقاط الخلافية ويضع تبريد الاجواء الداخلية في اولويته وصولاً الى تخفيف الاحتقان المذهبي. وعليه يؤكد معنيون بالحوار ان الجلسة الاولى منه ستعقد قبل نهاية العام الحالي بأيام برعاية الرئيس نبيه بري وفي عين التينة وبجدول اعمال يغلب التهدئة والتفاهم على ما عداه وفي حضور نادر الحريري ومعاون السيد نصرالله الحاج حسين الخليل. وذلك بغض النظر عن السلبية التي رفع لواءها الثنائي الرئيس فؤاد السنيورة والوزير اشرف ريفي وتجاوزاً لبعض الاجنحة المتطرفة داخل القيادة السعودية التي لا ترى طائلاً من اي حوار يكون احد طرفيه "حزب الله" او ايران وحتى "حماس" و"الجهاد الاسلامي" قبل "الحسم" في اليمن والعراق وسورية. ورغم كل ما قيل عن الحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" ومحاولة التخفيف من نتائجه لانه لا يخدم المجموعات الآنفة الذكر الا انه حاجة ومطلب يسعى اليه الطرفان ويخدم توجهاتهما في تبريد الاجواء وإمساك ناصية التفلت والجنوح نحو التكفير والالغاء. وهذا النهج لم يعد يقتصر على فئة ضالة تعتمد القتل والذبح، بل تتماهى معه مجموعات ضالة اخرى في السياسة وعبر إيجاد المبررات واختلاق الاعذار لها. وكله نكاية بالمقاومة وارباكاً لها وخلق جبهات توتر داخلية إما لمصالح شخصية او خدمة لاجندات ومشاريع لم تعد خافية على احد.

واذا كانت إعادة إمساك الحريري بشارعه والاستدارة به نحو الاعتدال وقبول الآخر امراً غير سهل ولن يكون في غضون ايام واسابيع، الا انه ممكن ومتاح اذا كانت البداية صحيحة ومتوفرة. ووفق ما يهمس به مقربون من الحلقة الضيقة للحريري فإنه يعول هو وابن عمته نادر على الحوار والانطلاق من نقطة تبريد الاجواء واعتماد سياسة التفاهم والنقاش "والتفهم" حول القضايا الخلافية مقدمة لحوار ونقاش أعمق وأدق.

بدوره "حزب الله" متيقن ومنذ اللحظة الاولى لتحرير الجزء الاكبر من الجنوب في العام 2000 ان الفتنة هي عدوه الثاني بعد اسرائيل. وخصوصاً بعد رفضه العروضات السخية والاغراءات التي قدمت له لترك السلاح او التخلي عن عقيدته الجهادية وترك فلسطين وقضيتها "جانباً" وللحلول السياسية والمفاوضات.

وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 حاول "حزب الله" جاهداً عدم الوقوع في مطب الفتنة ونجح في كثير من الاوقات الحرجة في تفاديها. ولعله اليوم يدرك ايضاً ان مسعى تأجيج الفتنة في اوجه ولا يوفر عرابوه فرصة لذلك.

في آلية تنفيس الاحتقان السني- الشيعي خصوصاً والمذهبي عموماً يتضمن جدول اعمال الحوار الثنائي فقرة تقول بتبريد الخطاب الاعلامي والتخفيف من نبرة الخطاب السياسي. وعليه استعاد "حزب الله" ومنذ اسابيع وعبر تكليف الحاج محمد عفيف مسؤولية العلاقات الاعلامية في الحزب بالاضافة الى مهمته الاساسية كمستشار اعلامي للسيد نصرالله، سياسة حصر الاطلالات الاعلامية لمسؤوليه ونوابه ووزرائه في بعض المناسبات والاحتفالات واعتماد التكتم وعدم تسريب بعض الاجواء السياسية والامنية والاخبار المتعلقة بالحزب الا بما يخدم "المصلحة العامة" فإذا اقتضت "المصلحة" بالافصاح اصدر الحزب عبر علاقاته الاعلامية بياناً محدداً ومتعلقاً بالقضية المراد الافصاح عنها.

في الايام الماضية كرر الرئيس بري امام زواره جزءًا من الحديث القدسي الشريف، "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان" عند التطرق الى ملف العسكريين المختطفين وفي إشارة الى بعض المساعي التي تبذل على طريق تحريرهم.

في الشق الثاني من الحديث الشريف ينصح بالكتمان لنجاح الحاجة لان "كل ذي نعمة محسود". وعليه قد يكون "حزب الله" محقاً في صمته احياناً ولا يدري المرء ان كان ما يقوم به "حزب الله" يأتي عليه بالنعمة او بالنقمة؟