نقل احد الذين التقوا مساعد وزير الخارجية الروسية ​ميخائيل بوغدانوف​ عنه قولا صريحا مفاده ان خريطة سايكس بيكو لن تتغير انما التغيير سيكون من ضمن الخريطة المذكورة. ولما حاول المصدر استيضاحه عن المعنى والمغزى من هذا القول المبطن ابتسم وامتنع عن الاجابة فاتحا بذلك الباب واسعا امام التكهنات والتفسيرات.

وذهب دبلوماسي معني الى حد الاجابة بسؤال اكثر واقعية طرحه على الشكل الاتي: هل تعتقد ان موسكو تفضل سوريا الكبرى وهي تسبب لها المتاعب السياسية والاقتصادية ام انها تفضل نصف المساحة الراهنة اذا كانت تؤمن لها مصالحها الحيوية والاقتصادية و"الغازية" بشكل خاص وتقع على سواحل المياه الدافئة، وبالتالي هل تعتبر ان سوريا بالنسبة ل​روسيا​ هي اهم او اكثر استراتيجية من اوكرانيا؟ ومع ذلك قدمت تنازلات محددة وابرمت صفقة على حساب الاخيرة من دون ان يعني ذلك أي تبدل في جوهر الخريطة الجغرافية. ما يطرح علامة استفهام ثانية وهي تتمحور حول المانع الاستراتيجي من مساومة روسية على خريطة الدولة السورية الجيوسياسية اذا كان في ذلك مصلحة لها، وبالتالي لماذا يجب عليها ان تتكبد هذه الاثمان المرتفعة اذا كانت قادرة على ممارسة دورها انطلاقا من الساحل السوري بعيدا عن الارياف البعيدة عن مربط الخيل الروسي اي الشاطىء السوري الزاخر بالغاز اسوة بالساحل اللبناني او القبرصي او حتى الاسرائيلي وهي كلها سواحل تشكل الطوق الجغرافي للمياه الدافئة.

نظرة على التطورات الميدانية في سوريا والعراق كفيلة بتظهير المستقبل، خصوصا ان الجيش السوري يتحدث في وسائل اعلامه عن انسحاب ناجح وباقل كلفة عسكرية من معكسر وادي الضيف والمناطق المحيطة، وليس عن سقوط عسكري في مشهد قد يكون في مضمونه نسخة منقحة عن سقوط مطار الطبقة مع تغييرات في الشكل. فيما يؤكد الجيش العراقي تقدمه على جبهات ومراوحته على اخرى في ظل رسم دقيق للادوار اولا وللحدود ثانيا، بيد ان التقدم الاستراتيجي المحقق في العراق هو نتيجة لعمل قوات البشمركة الكردية وليس الجيش العراقي النظامي لاسيما ان الغرب بدوره لا ينكر الغطاء الجوي الذي يؤمنه للاكراد في مناطق وجودهم. مع الاشارة الى ان عمليات الكر والفر لم تعد مجرد حرب استنزاف انما حرب تطهير عرقي خصوصا ان المناطق المهجرة في كل من سوريا والعراق هي مناطق محسوبة على هذه الطائفة او تلك.

في هذا السياق يعتبر الدبلوماسي ان العقبة الاساس التي تحول حتى الان دون تنفيذ المشروع الاميركي-الروسي هو عدم التوافق على مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد وليس على وحدة الارض السورية اولا وعلى مستقبل الورقة الكردية في ظل عدم قبول تركي لانشاء دولة كردية شمال العراق او شمال سوريا، ما يعني ان العقبة المذكورة ممكن ان تشكل المفارقة التي قد تؤجج الحرب الباردة الى ان يضعف الافرقاء وتتقلم اظافرهم خصوصا في هذه البقعة من الدولة الاسلامية حيث تنشط الصفقات والتسويات من دون الاخذ بالمحظورات، بل على العكس فانها تمعن في تكريس امر واقع جديد من شأنه ان يفرض نفسه على الجميع من دون استثناءات ويؤسس الى متغيرات جغرافية داخل حدود سايس بيكو وليس على مستوى الحدود المرسومة سابقا بحيث يصح القول ان الشكل لن يتغير انما المضمون هو الخاضع للمتغيرات والتبدلات.