منذ فترة ليست بقصيرة، يمرّ ​الحرس الرئاسي الاميركي​ وهو ما يعرف بالحرس السري "Secret Service" بمشاكل تمثلت بحصول خروقات خطيرة حتى داخل حرم البيت الابيض، وادت الى اقالة قائد جهاز الحماية المكلف بأمن الرئيس(1).

لا شك ان العبء الملقى على الحرس السري زاد منذ لحظة ترشح باراك اوباما الى المنصب الرئاسي، وتضاعف مع وصوله الى الرئاسة بفعل الحساسية العرقية التي لا تزال اميركا تعاني منها، ولعل خير دليل على ذلك ما شهدته مدينة فيرغسون الاميركية(2).

واتى التقرير الذي كشفت عنه وزارة الامن القومي يوم امس، والذي يوضح بما لا يقبل الشك وجود خلل كبير في هذا الجهاز، ونقص فادح في الميزانية، وعدم تخصيص الوقت الكافي لتدريب العناصر، واعادة الهيكلة الصحيحة، اهمية حصول "نفضة" جديدة يتولاها شخص من خارج الجهاز، وفق ما ابرزه التقرير.

كما شدد على ضرورة زيادة عدد عناصر الجهاز (باللباس الرسمي) والعملاء السريين الذين غالباً ما يكونون متخفّين (200 عنصر و85 عميلاً اضافياً).

صحيح ان التقرير استغرق اشهراً عدة لاعداده، ولكنه يأتي في وقت حاسم جداً خصوصاً بعد القرار الشهير الذي اتخذه اوباما اخيراً باعادة العلاقات مع كوبا، والمفاوضات التي يجريها مع ايران والتي تؤشر الى قرب التوصل الى اتفاق حول الملف النووي وملفات اخرى في المنطقة، مع ما قد يعني ذلك من احتمال حصول زيارات للرئيس الاميركي الى تلك الدول وغيرها ايضاً.

ولا شك ان علامات الاستفهام التي تكاثرت حول اداء هذا الجهاز الذي كان يعتبر من اقوى الاجهزة الامنية في حماية الرؤساء والشخصيات في العالم، ادت الى تراجعه والى وجوب اعادة النظر بالكثير من الامور التي تطال بنيانه وربما اساساته.

اما التوصية بالاعتماد على رئيس جديد لهذا الجهاز يكون من خارج محيطه، فدليل على ان "مرضاً" ما بات يعتري خذا الجهاز، وان الامر لم يعد يقتصر على مشكلة خفض الميزانية او العديد، بل بات يتركز على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

لن تنفع بعد اليوم البدلات الداكنة والنظارات السوداء والاجهزة اللاسلكية التي تخرج من الاكمام والاذن، لاعطاء صورة زاهية عن "الحرس السري" الاميركي. فهذه العوامل التي ميّزته وكانت قدورة لباقي الحراس الامنيين لرؤساء والشخصيات العالمية، اصبحت قديمة وتشكو من العجز عن ايقاف خروقات اقل ما يقال عنها انها "بسيطة". فكيف يمكن لرجل دون اي دعم خارجي ان يقتحم المقر الاكثر حساسية في العالم دون جهد او تخطيط مسبق؟

وهل بات لزاماً على اي رئيس اميركي ان يقلق على أمنه وأمن عائلته، وهل غابت الايام التي انقذ فيها تيم مكارثي الرئيس الاميركي الراحل رونالد ريغان عام 1981 من رصاصة استهدفته ليكون اول رئيس اميركي ينجو من محاولة اغتيال ليرويها في وقت لاحق؟

قد لا تكون الصورة سوداء الى هذا الحد، ولكن الاكيد ان الاحداث والتطورات المتسارعة، اضافة الى تزايد منحى العنف لدى المجموعات وحتى الافراد توجب اجراء تعديلات جذرية على هذا الجهاز. لن يتمكن الرئيس الحالي اوباما من الاستفادة من كل البنود التي طالب بها التقرير، لكنه سيؤسس لمرحلة جديدة ستطبع عمل "الحرس السري" لسنوات مقبلة، في ظل تحديات جديدة على اكثر من صعيد سيتعرض لها الرئيس الاميركي.

(1) في 3/10/2014، قبل وزير الامن الداخلي استقالة قائدة الحرس السري الاميركي جولي بيرسون بعد الفضيحة المدوية التي ادت الى دخول جندي اميركي سابق خدم في العراق (عمر غونزاليس)، الى داخل البيت الابيض مسلحاً بسكين ووصل الى حدود الجناح الخاص الذي تقيم فيه اسرة الرئيس قبل ان يتم السيطرة عليه.

(2) في شهر تشرين الثاني الفائت، عمّت التظاهرات مدينة فيرغسون الاميركية وعدداً كبيراً من المدن الاخرى على خلفية تبرئة القضاء لشرطي ابيض قتل شاباً اسود في شهر آب، وتم اعلان حال الطوارىء في المدينة المذكورة. وقد قدم الشرطي في وقت لاحق استقالته.