يشدد رئىس مجلس النواب الرئىس نبيه بري في عدة مناسبات وامام زواره من «الموارنة» بأن اياً من القوى الدولية او الاقليمية وكذلك «الشيعة» و«السنة» ليسوا مسؤولين عن عدم انتخاب رئىس الجمهورية، بل ان الطابة هي في مرمى «القوى المارونية» فقط، وعلى الفرقاء المسيحيين الاتفاق على رئيس للبلاد، متوقفاً أمام الموقف «الصلب» لرئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون حيال هذا الاستحقاق وغير ملفات عامة، وكذلك «امام المرونة» التي يمارسها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي يتفاعل مع مسار الواقع السياسي.

وفي المقابل يكرر رئىس «تيار المستقبل» الرئىس سعد الحريري دعوته القوى المسيحية للاتفاق على رئىس من صفوفهم ولذلك كان اللقاء والاتصالات مع العماد ميشال عون والاجتماعات مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عدا عن تواصله الدائم مع حلفائه على غرار الاجتماع بجعجع ابان زيارة الاخير السعودية الاسبوع الماضي. ويندرج موقف الحريري بقبوله بأي مرشح رئاسي تتوافق عليه هذه القوى واقطابها الاربعة..

لكن في ظل هذا الواقع من المواقف للقوى الاساسية من هذا الاستحقاق في مقابل التزام «حزب الله» اي قرار يمضي به العماد عون في الموضوع الرئاسي، في موازاة رغبة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بوصول رئىس «توافقي» وبنوع خاص ابعاد كل من عون وجعجع الذي رشح عضو كتلته النائب هنري حلو، ففي ظل هذا الواقع بات اللقاء المرتقب والمستبعد بين العماد عون مرشح قوى 8 آذار والدكتور جعجع مرشح 14 آذار، من شأنه ان يرسم مسار هذا الاستحقاق..

لكن استناداً الى المعطيات المتوافرة في هذ الاطار ورغم المجهود الذي يضعه الوسطاء بين عون وجعجع حيث يشكل عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب آلان عون احد قنوات التواصل على خط الرابية ـ معراب في ضوء التكتم المحيط بهذه التحركات. يبدو المشهد وفق التالي على ضفة العماد عون:

يضع رئىس تكتل التغيير والاصلاح قواعد واضحة لهذا الملف المسيحي المهم في حال حصوله، وهو يجده محطة من شأنها ان تعطي المسيحيين دفعاً قوياً في المعادلة السياسية والحضور داخل الدولة ومؤسساتها انطلاقاً من التالي:

1ـ ان التراجع عن الترشيح امر مستحيل والطلب بالتفاهم على رئىس توافقي مرفوض ولذلك فان مطالبة منافسة جعجع برئيس قوي للجمهورية، يفترض دعم رئىس القوات للعماد عون ولزعيم التيار الوطني الحر للوصول الى بعبدا وبذلك ترسخ سابقة الرئيس القوي، ما يعطي جعجع يوماً فرصة الوصول الى بعبدا.. والا ستبقى قاعدة ايصال رئيس الجمهورية الضعيف هي السائدة لتصبح قاعدة ومن نتائجها تراجع الدور القوي للمسيحيين في السلطة.

2ـ يجد العماد عون ان مطالبة جعجع بدور قوي للمسيحيين يفترض موافقته على تأييد مشروع القانون الانتخابي الارثوذكسي من اجل تحرير النواب الموارنة من هيمنة كل من الرئيس الحريري والنائب جنبلاط وبذلك يكون جعجع اول المستفيدين من ذلك في ظل رغبته لتوسيع كتلته النيابية، وان مضي القوات في قانون انتخابي مغاير عن الارثوذكسي معناه تذويب ذاتها امام القوى المذهبية الاخرى في البلاد.

3ـ ان العماد عون مستعد ان يؤمن لجعجع ويعطيه كل الضمانات الموضوعية وتلبية مطالبه وتعزيز موقعه في الحكومة المقبلة من خلال ما يجده رئىس القوات يتكامل بين ترجمة مطالبته برئيس قوي وتعزيز الحضور المسيحي في الدولة وفي الحياة السياسية، لأنه بعد اليوم لن يحصل المسيحيون على مثل هكذا فرصة تمكنهم من توحيد موقفهم الاستراتيجي.

4ـ ان ما بين عون وجعجع في منطق الرابية ليس اكثر مما هو الواقع المتوتر بين تيار المستقبل وبين «حزب الله»، ورغم عمق الجراح بينهما توافقا مرات عدة وهما حالياً أمام حوار مباشر بعد تشكيلها الحكومة الحالية..

ولا تتطابق مبادرة عون مع حسابات جعجع الذي يجد بأن من غير الممكن انتخاب عون للاعتبارات التالية:

1ـ ان المواجهة ذات بعد سياسي وهي ليست صفقة على رئاسة «نادي» محلي اذ ان وصول عون الى بعبدا معناه امتداداً لمحور الممانعة، لا سيما ان حلفاء عون الحاليين كانوا ممسكين بالبلاد زمن الوصاية وجهازها الامني واوصلت تصرفاتهم الى تهجير المسيحيين. وهو في حال انتخابه لا يستطيع لجمهم ولا سيما «حزب الله» الذي يتمدد يوماً بعد يوم في الدولة ولا يعرب عون عن اي اعترض.

2ـ ان قانون الانتخاب الارثوذكسي لن يؤىده حلفاء عون قبل ان ترفضه قوى 14 آذار، لان لا مصلحة لها في هكذا قانون لاعتبارات مذهبية وسياسية.

3ـ تمثل عون في الحكومة التي ترأسها نجيب ميقاتي بأحد عشر وزيراً، ولم يتمكن تأمين اي مكسب للمسيحيين في الدولة وفي التعيينات، لا بل هو اعرب مراراً عن شكواه من عدم قدرته على ترجمة قوته السياسية.

4ـ ليس للقوات مطالب وحسابات لها صلة بالحقائب او ما شابه، لكن في خلفية ذهن جعجع، ان عون لا يمكن ان يلتزم بأي اتفاق الا في ورقة التفاهم التي عقدها مع «حزب الله» وذلك نتيجته التوازنات بابعادها كافة والتي هي لمصلحة «حزب الله»، لكن اذا ما اراد رئيس حزب القوات، ان يسقط من ذهنه مرحلة تولي العماد عون رئاسة الحكومة الانتقالية في العام 1988، فانه لا ينسى كيف انه في الماضي القريب وبعد العام 2005، اندفع جعجع في اتجاه قوى داخلية وخارجية للتداول معها من اجل انتخاب عون رئىساً للجمهورية بعد تذكيته من قبل القوات ايضا، الا انه في موازاة ذلك فاجأ عون كافة القوى بتوقيعه ورقة تفاهم مع «حزب الله» بحيث ادت هذه الخطوة للاطاحة بكل مجهود جعجع في هذا السياق.

ثم ان العماد عون وفي حال عقد معه جعجع تفاهما على سبيل المثال. فما الضمانة بأنه لن يعمد الى نسفه فان اسقاط تسوية الدوحة لا تزال واضحة للعيان، اذ بعد ان حصلت هذه التسوية برعاية دولية ـ اقليمية وموافقة كافة القوى اللبنانية، وفي طيات بنودها عدم اسقاط الحكومة او الاستقالة منها، عمد عون الى «نسف» هذه التسوية الدولية باسقاطه حكومة الرئيس الحريري من دارته في الرابية.

ولذلك فان من غير الممكن ان يلتزم عون بأي اتفاق اذا ما كان حصرا مع القوات او مع قوى داخلية لان ثمة محطات تناقض ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب التوافق بين عون وبين جعجع على مرشح ثالث تكمن قوته من خلال الدعم الذي يمدانه به القطبان او الاقطاب الاربعة وكافة القوى المسيحية التي توافق على ما يتوافق عليه عون وجعجع.