الطبخة الرئاسية على النار! لكن وقودها خارجي، والطباخون أجانب، واللبنانيون مستغرقون في خلافاتهم وانقساماتهم!

وضع الطبخة الرئاسية على النار، لا يعني أن الرئيس العتيد سيظهر بكبسة زر، أو على الأقل خلال الأسابيع القليلة المقبلة. فالملف الرئاسي، كما أصبح معروفاً، أسير تداخلات وتشابكات إقليمية ودولية، ضاعفت من تعقيداتها المختلفة، هذه القطيعة المستهجنة بين فريقي 14 و8 آذار، والتي أوصلت الوضع السياسي إلى هذا المستوى المزري، من التردّي والاهتراء.

من هنا، يمكن اعتبار الحوار المُنتظَر بين تيّار المستقبل وحزب الله، بمثابة خطوة أولى، وتمهيدية، لإعادة فتح أبواب التواصل بين الأطراف السياسية في الداخل، ومواكبة الاتصالات الناشطة حول الاستحقاق الرئاسي، إقليمياً ودولياً، وصولاً إلى الخواتيم السعيدة.

لم يعد خافياً أن الجهود الفرنسية المدعومة سعودياً وأميركياً، وإلى حدّ ما، روسياً وإيرانياً، حققت بعض التقدّم، ولو بمستوى كسر الجمود في هذا الملف الشائك، وإقناع الأطراف الإقليمية المعنية بالتعاطي مع هذه المسألة، تحت ضغط رياح التطرّف والإرهاب التي تعصف بالمنطقة، وأصبحت تطرق حدود الوطن الصغير.

ويبدو أن الموفد الفرنسي يعلق أهمية خاصة على زيارته المرتقبة إلى طهران، وهي الخامسة في إطار هذه المهمة، للمضي قدماً في تحديد مواصفات الرئيس التوافقي، وفي رسم إطار افتراضي لبرنامجه السياسي، والذي من المفترض أن يحظى بموافقات الأطراف السياسية الرئيسية على الأقل.

* * *

لا بدّ من الاعتراف، وبكثير من الحزن والمرارة، أن رئيس الجمهورية المقبل لن يكون «صناعة لبنانية» نقيّة، بعدما أضاعت القوى السياسية اللبنانية فرصة التوافق على «رئيس صنع في لبنان»، طوال الأشهر الماضية، وقبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، حيث كانت الجهات الإقليمية والدولية منشغلة بالنيران المشتعلة في سوريا والعراق، بعد بروز «داعش» المفاجئ على مسرح الأحداث الكبيرة في الإقليم، وكان من الأسهل على الطبقة السياسية التوصل إلى «تسوية وطنية» مرحلية، على غرار ما حصل في الدوحة عام 2008، تُمرّر الاستحقاق الرئاسي، وتُجري الانتخابات النيابية، وتؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

الوقت لم يعد يعمل لمصلحة المعاندين في تعطيل الانتخابات الرئاسية، وفي مقدمتهم العماد ميشال عون، لأن الأطراف الخارجية ضاقت ذرعاً بهذه السياسة الكيدية الخرقاء، التي تعرّض استقرار البلد وأمنه لخطر داهم، فضلاً عن أن صبر الجمهور المسيحي بدأ ينفد، وتتزايد الأصوات التي ترتفع يوماً بعد يوم، محملة التيار العوني مسؤولية استمرار هذا الشغور المُعيب في المركز المسيحي الأوّل في الجمهورية.

هذا التململ المسيحي عامة، والماروني خاصة، من تعطيل الانتخابات الرئاسية، وصلت أصداؤه منذ فترة إلى الرابية، وأكدتها الاستطلاعات التي يُجريها التيار العوني بين فترة وأخرى، وثمة من يُؤكّد بأن العماد عون شخصياً أصبح مطلعاً عليها، بعدما حُجبت عنه في الفترات السابقة، لأنها تُشير إلى تراجع في شعبية التيار في بعض الأوساط المسيحية.

* * *

هل تستدرك القيادات السياسية اللبنانية تقصيرها وعجزها الفادحين، وتعمل على حفظ «دور ما» في الاستحقاق الرئاسي؟

الجواب ليس سهلاً، لأن قطار الاتصالات الإقليمية والدولية انطلق بصفارة فرنسية، وتشجيع من الأطراف المعنية مباشرة بالوضع اللبناني، وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران.

في حين أن ورشة الحوار الداخلي ما زالت معطلة. ومشوار الحوار المرتقب بين «المستقبل» و«الحزب»، لم ينطلق بعد، رغم كل الرهانات المعلقة على أهمية هذه الخطوة، ونتائجها الإيجابية المتوقعة، على الوضع اللبناني برمته.

ولعلنا لا نكشف سراً إذا قلنا أن الجهات الخارجية المعنية، أعطت السياسيين اللبنانيين فرصة جديدة، قد لا تتجاوز آذار المقبل، على أبعد حدّ، للتوافق على شخصية الرئيس التوافقي، وتظهير الانتخابات الرئاسية بسيناريو لبناني - لبناني.

أما في حال عدم الاتفاق المحلي بعد انتهاء المهلة المذكورة، فيصبح الجميع عندها أمام أمر واقع لا مفرّ منه: ستُوزّع على النواب ورقات تحمل اسم الرئيس العتيد، لإسقاطها في صندوقة الاقتراع، بتغطية إقليمية ودولية حاسمة!

الطبخة الرئاسية على النار!

هل يبقى وقودها خارجي.. والطباخون أجانب..

أم أن الحوار الداخلي سيستدرك الأمر ويحفظ ماء الوجه للقرار الوطني؟