تنقسِم سوريا إلى 14 محافظة، منها محافظة ​القنيطرة​ التي تُعتبر من بين أصغر المحافظات السورية مع مساحة إجمالية تبلغ 1861 كيلومتراً مربّعاً، ومع عدد سكّاني هو الأقلّ على الإطلاق مُقارنة بباقي المحافظات حيث أنّه يقلّ عن مئة ألف نسمة. لكن أهمّية هذه المحافظة التي تتميّز بتلالها وهضابها، ومنها بطبيعة الحال هضبة الجولان المحتلّة، تتمثّل بكونها تُشكّل خط تماس مباشر مع الجيش الإسرائيلي، وكذلك بموقعها العسكري الإستراتيجي مع إرتفاعات تبلغ نحو 1000 متر عن سطح البحر بمعدّل عام.

من هنا، يُمكن فهم الدعم اللوجستي الذي وفّرته إسرائيل لجماعات متطرّفة على غرار "جبهة النصرة" و"حركة المثنى" في محافظة القنيطرة(1)، بموازاة الدعم اللوجستي الأردني عبر منطقة درعا الحدوديّة مع الأردن، وذلك لمصالح مُتبادلة بين الجانبين الإسرائيلي و"الإسلامي المتشدّد". فإسرائيل خطّطت لإقامة "منطقة عازلة" على إمتداد شريط حدودي ضيّق على طول الحدود في الجولان المحتل لحماية قواتها من الهجمات، إضافة إلى توفير معبر للمسلّحين نحو الجنوب اللبناني عبر جبل الشيخ، بهدف إرباك "حزب الله" في المنطقة، قبل أن تُجمّد مشروعها المذكور نتيجة إنقسامات داخلية بشأن مخاطر التعامل مع تنظيمات محسوبة على تنظيم "القاعدة" الإرهابي، لجهة إحتمال تبدّل وجهة سلاحها في أي وقت، كما حصل سابقاً في أكثر من مكان وزمان. في المقابل، إنّ هدف التنظيمات السورية الإسلاميّة المتشدّدة هو إسقاط محافظة القنيطرة بكاملها(2)، لتكون ثاني محافظة سوريّة تسقط بالكامل بعد محافظة الرقة، والأهم هو فتح جبهة جديدة مع قوات النظام في ريف دمشق إنطلاقاً من خط إحتكاكها مع ريف القنيطرة، على أمل التمكّن في مرحلة ما في المستقبل من التقدّم باتجاه العاصمة السورية التي لا تبعد أكثر من 60 كيلومتراً عبر هذا الخط الجنوبي.

وبغضّ النظر عن مسألة تجميد أو عدم تجميد المشاريع الإسرائيليّة لمحافظة القنيطرة، وعن مدى فعالية مشروع المعارضة السورية هناك، وفي الوقت الذي يعمل الجيش السوري منذ أسابيع عدّة على تنفيذ هجمات لإسترداد مواقع كان قد خسرها في المحافظة المذكورة(3)، وهو خاض معارك ضارية لذلك في قرى وبلدات عدة، منها مثلاً "خان أرنبة" و"البعث"، تعمل كلٌّ من ​إيران​ و"حزب الله"، وبالتنسيق مع النظام السوري طبعاً، على تنفيذ مُخطّط إستراتيجي كبير للقنيطرة التي تضمّ هضبة الجولان. وتقضي الخطّة بما يلي:

أوّلاً: بعد نجاح "حزب الله" في دفع إسرائيل إلى نشر عشرات آلاف المقاتلين في خطوط أمامية وأخرى دفاعية خلفية، على إمتداد نحو 50 كيلومتراً في مقابل قرى وبلدات الجنوب اللبناني (من دون خط مزارع شبعا)، إتُخذ قرار بإلهاء الجيش الإسرائيلي أكثر، عبر إيجاد منطقة إحتكاك أمني مباشر معه بطول يزيد على 150 كيلومتراً. وهي تشمل كامل طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل والذي يبلغ 79 كيلومتراً (من ضمنها الخط المتّصل بمزارع شبعا المحتلّة بطول نحو 25 كيلومتر تقريباً) وكامل طول الحدود السورية مع إسرائيل والذي يبلغ بدوره نحو 76 كيلومتراً.

ثانياً: بعد نجاح تجربة الميليشيات المسلّحة التي أنشأها النظام السوري بالتعاون مع "حزب الله" وخبراء إيرانيّين، تحت إسم "قوّات الدفاع الوطني"، لجهة لعب دور كبير في صمود النظام وتحقيق نتائج عسكريّة ميدانيّة مُهمّة ومنع سقوط العديد من المناطق السوريّة في أيدي المعارضين، تقرّر إنشاء مجموعات قتالية سوريّة من أبناء قرى وبلدات محافظة القنيطرة والمناطق المحيطة، ليس لتكوين خطوط دفاعية فعّالة من الجهة اللبنانية والسورية فحسب، بل لتكوين "أفواج مقاومة" على إحتكاك مباشر مع الجيش الإسرائيلي.

ثالثاً: الهدف الأبرز يكمن في تحويل كامل خط الجولان إلى منطقة عسكريّة غير آمنة للجيش الإسرائيلي، عبر تنفيذ عمليّات "مقاومة شعبيّة" هناك على غرار تلك التي وقعت في الجنوب اللبناني في زمن الإحتلال، مدعومة من مقاتلين من "حزب الله" ومن خبراء إيرانيّين، وذلك بغية تشتيت القوة العسكريّة الإسرائيلية، ودفاعاتها المختلفة، عبر إجبار القيادة الإسرائيليّة على توزيع قواتها على جبهات متعدّدة وطويلة، كانت هادئة منذ عقود.

في الخلاصة، كثيرون ينتظرون الردّ على عمليّة الإغتيال الجوّي الإسرائيلي في "مزارع الأمل" في القنيطرة، لكن حسابات "حزب الله" وإيران لهذه المنطقة، تتجاوز مجرّد ردّ تكتيكي محدود النتائج، إلى محاولة فرض جبهة قتالية شاملة على طول الحدود اللبنانية-السورية مع مناطق السيطرة الإسرائيليّة، في تغيير لكل قواعد اللعبة التي كانت سائدة حتى الأمس القريب. فهل ستنجح هذه الإستراتيجيّة الجديدة، أم ستنجح إسرائيل في إفشالها عبر مواصلة دعمها للتنظيمات الإسلامية المتشدّدة التي تقاتل النظام السوري في القنيطرة؟ وهل سترفع إسرائيل من مستوى مقاومتها لهذا المشروع عبر المزيد من العمليّات الأمنيّة الهجوميّة؟ وعندها هل تنزلق الأمور إلى مواجهة مفتوحة متدرّجة كما حصل في معركة غزّة الأخيرة؟ كثير من الأسئلة التي وحدها الأيّام المقبلة ستحمل إجاباتها الكاملة...

(1)تنوّع الدعم اللوجستي بين معالجة الجرحى في المستشفيات الإسرائيلية وتقديم دعم إغاثي منوّع، والتشويش على إتصالات الجيش السوري وقصف وتدمير مواقعه وآلياته كلّما سقطت قذيفة عن طريق الخطأ في الجانب المحتلّ من الجولان.

(2)تمكّنت عمليّاً من السيطرة على مواقع ومناطق عدّة في ريف نوى وريف درعا ومحافظة القنيطرة، منها مثلاً تل الأحمر الشرقي وتل الأحمر الغربي وتل جابية وتل الحارة، إضافة إلى معبر القنيطرة، ومدينة القنيطرة المُدمّرة، إلخ.

(3)نجح الجيش السوري في إستعادة بلدة الصمدانية الغربيّة وأجزاء واسعة من الحميديّة في ريف القنيطرة.