على رغم ان لبنان يبدو كأنه استوعب مبدئيا الضربة العسكرية التي وجهتها اسرائيل الى "حزب الله" والحرس الثوري الايراني في ​القنيطرة​ السورية، فسجل الافرقاء السياسيون من خصوم الحزب مواقفهم بهدوء واوصلوا الرسالة المتصلة بما يرونه في هذا الاطار خصوصا لجهة عدم تعريض لبنان لمغامرة جديدة يمكن ان يدفع ثمنها خصوصا ان استهداف الحزب لم يحصل على الارض اللبنانية كما تلافت الحكومة في اجتماعها الاسبوعي مواقف متشنجة، فإن مصادر ديبلوماسية تخشى الا تكون انعكاسات العملية او تردداتها قد انتهت بعد. اذ من غير الجائز الجزم بان الازمة انتهت او عبرت باستنتاجات مختلفة وتكهنات عما سيكون عليه رد ايران اوالحزب، خصوصا ان الحزب لم يعط اي مؤشرات واضحة او نهائية حول الاتجاه الذي سيسلكه ومن المستبعد ان يفعل فيما توعد المسؤولون العسكريون الايرانيون واطلقوا سلسلة تهديدات بالنيابة عن الحزب او من اجل رد اعتباره كما قال احد المسؤولين في طهران. فالمشكلة كبيرة فعلا وفق ما تقول هذه المصادر ولم يتم هضمها بعد على رغم كل الظواهر الموحية في هذا الاتجاه كما انه من المبكر جدا القول بامكان هضمها خلال الايام المقبلة في الوقت الذي يمكن ان تعطي فيه اطلالة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد اسبوع المؤشرات حول الاتجاهات التي تكون قد وصلت اليها الامور بعد التصعيد الايراني المدروس.

وتكشف هذه المصادر الديبلوماسية ان هناك عملا ديبلوماسيا كبيرا يجري وراء الكواليس وعبر اتصالات مباشرة وغير مباشرة من اجل فكفكة المشكلة التي اثارتها العملية العسكرية الاسرائيلية . وهذا العمل الديبلوماسي بدأ فورا بعد ساعات من العملية اولا من اجل لجم ردود الفعل العسكرية من جهة وضبط الانفعالات والمواقف كما انه استلزم جملة خطوات تكشف هذه المصادر ان اعلان اسرائيل على لسان مصدر امني رفيع لوكالات انباء عالمية انها لم تعرف بوجود جنرال ايراني من ضمن الموكب العسكري الذي استهدفته في القنيطرة يشكل احد بنود العمل الديبلوماسي الذي بذل من اجل فكفكة المشكلة. وبحسب المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر، فإنه كان مطلوبا من اسرائيل ان تذهب ابعد من ذلك في موقف اكثر تطورا وتقدم ما يشبه الاعتذار عن استهدافها الجنرال الايراني لكنها لم تفعل واكتفت بالتوضيح بانها لم تعرف بوجود الجنرال الايراني ضمن الموكب ما يعني انها لم تقصد استهدافه . وعدت المصادر الديبلوماسية الموقف الغاضب للبيت الابيض من دعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية الى القاء كلمة في الكونغرس الاميركي حول ايران ظاهريا بسبب عدم اطلاع الادارة الاميركية على هذه الدعوة لكن هذا الغضب هو في العمق لكون الدعوة تعتبر سياسيا بمحاولة التعويض على نتنياهو استياء البيت الابيض من العملية العسكرية التي نفذتها اسرائيل في القنيطرة من جهة وتشكل تعويما له ازاء هذا الاستياء او تنفيسا لهذا الاخير من جهة اخرى في الوقت الذي لا يمكن ان تستبعد واشنطن استهداف المفاوضات الاميركية الجارية مع طهران حول الملف النووي الايراني من الاستهداف العسكري الاسرائيلي للموكب الذي تضمن جنرالا ايرانيا له حيثيته.

ومن هذه الزاوية بالذات ليس من الواضح اذا كان هذا الموقف الاسرائيلي التوضيحي سيكون كافيا في ضبط ردود الفعل المحتملة والتي هي قوية على ألسنة القادة العسكريين الايرانيين. ذلك ان هذه العملية العسكرية لا يمكن اعتبارها مجرد عمل عسكري بل هي حملت معها جملة انفعالات مؤثرة بشحنات عاطفية ومعنوية لا يمكن تجاهلها. وقول احد المسؤولين الايرانيين وهو امين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ان طهران سترد الاعتبار" الى "حزب الله" يعني ان العملية العسكرية كانت بمثابة اهانة لان رد الاعتبار يسير في موازاة اهانة المرء بحيث سيتعذر على ايران او الحزب تمرير الامور من دون رد فعل يعطي معنى لعبارة " رد الاعتبار" المستخدمة في هذا السياق.

هذا العامل يسير وفق المصادر الديبلوماسية في موازاة احتمال التوظيف الايراني لهذه المشكلة بحيث تتطلب معالجة التداعيات اثمانا معينة يتعين على بعض الافرقاء دفعها من اجل حصر الموضوع وعدم تفاقمه. كما انه يسير في موازاة العمل من اجل الاستمرار في المحافظة على الاستقرار في لبنان بحيث ان الاتصالات التي بدأها السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل مع رئيس الحكومة تمام سلام تعد احد عناصر العمل الديبلوماسي الذي نشط من اجل الاستمرار في تثبيت الاستقرار وعدم تهديده. كما يسجل دفع بعض الافرقاء اللبنانيين ايضا بعامل عدم حصول العملية العسكرية الاسرائيلية ضد الحزب وجنرال في الحرس الثوري الايراني في لبنان الى الواجهة وكذلك بالنسبة الى ضرورة تجنيب لبنان مغامرات جديدة قد يدفع ثمنها غاليا من اجل الحض على عدم التوظيف الايراني للساحة اللبنانية او استخدامها للرد على اسرائيل. فالاستقرار في لبنان حتى الان يشكل خطا احمر تحرص دول عدة على عدم التفريط به باعتبار انه كان ولا يزال المغزى مما شكلته مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان.