جغرافياً، لا حدود مُشترَكة ل​إيران​ مع السعوديّة، لكنّ الأحداث المتسارعة في اليمن، جعلتها على بُعد أمتارٍ من الحدود السعوديّة، ولو بالواسطة وعبر تنظيماتٍ حليفة تتلقّى الدعم العسكري والمالي من طهران، من دون ضجيج إعلامي.

في العقود الثلاثة الماضية، حاولت إيران تصدير "ثورتها" إلى اليمن، كما لغيرها من دول المنطقة، لكنّها لم تنجح في ذلك لأسبابٍ مختلفة، منها تمايُز الحالتين الشيعيّتين الزيدية في اليمن والإثني عشرية في إيران. أمّا اليوم، وبعد أن سيطر تنظيم "أنصار الله" الذي عملت طهران في الفترة الأخيرة على تطوير قدراته، عبر مدّه بالمال والسلاح والخبراء والمدرّبين، تحقّق الهدف التوسّعي لإيران، ليس من منطلق مذهبي-ديني، ولكن من منطلق أمني إستراتيجي. فإذا كان خصوم إيران قد أخذوا عليها في السابق محاولة فرض "هلال مذهبي" بأبعاد عقائدية-سياسيّة-أمنية، يبدأ في طهران ويمرّ في كلّ من بغداد ودمشق، وينتهي في بيروت، فإنّهم يلمسون حسّياً اليوم توسّع هذا "الهلال" ليصبح تدريجاً أقرب إلى "قمر" مُكتمل، بعد الحراك اليمني الذي نجح بالقوّة العسكريّة. والتصاريح المتكرّرة لكبار "الجنرالات" الإيرانيّين عن توسع نفوذ طهران في المنطقة، ليس من باب التبجّج الإعلامي، بل تستند إلى وقائع ملموسة، أبرزها:

أوّلاً: باتت إيران تملك أذرعاً عسكريّة قتالية فعّالة، مثل "حزب الله" في لبنان و"قوات بدر" في العراق و"أنصار الله" في اليمن، إضافة إلى تواجدها المباشر عبر أفواج من "فيلق القدس" في كل من سوريا والعراق. وخصومها يتّهمونها بالعمل على إيجاد نواة لموطئ قدم أيضاً في البحرين والكويت وشرق المملكة العربيّة السعوديّة.

ثانياً: صارت إيران مُتواجدة عبر قوى حليفة، ومباشرة عند الرغبة، على الحدود مع إسرائيل وقادرة على إعطاء أوامر بشنّ عمليّات أمنيّة، وذلك على عشرات الكيلومترات من أصل نحو 150 كيلومتراً مشتركة لكل من لبنان وسوريا معها، وكذلك على الحدود مع السعودية التي تجاور اليمن بخط حدودي طويل جداً يبلغ نحو 1400 كلم.

ثالثاً: وسّعت إيران سيطرتها على الممرّات المائيّة الإستراتيجيّة في الشرق الأوسط، من خلال وصولها عبر حلفائها الحوثيّين المُسلّحين إلى "باب المندب"، علماً أنها تُسيطر بحكم موقعها الجغرافي على مضيق هرمز. ومن الضروري التذكير أنّ إيران تنشر أصلاً قطعها البحريّة العسكرية قبالة سواحل اليمن في خليج عدن والبحر الأحمر، إلا أنه صار لها اليوم موطئ قدم برّي داخلها.

وهذا النجاح الإيراني، ما كان ليتحقّق عبر دعم "الحوثيّين" فقط، حيث ساهمت عوامل أخرى في تحوّل هؤلاء إلى قوة أمنيّة مُسيطرة على مرافق اليمن الأساسيّة، وعلى أجزاء واسعة من أراضيه(1)، منها صراع النفوذ بين القبائل السنّية، وإتفاق من تحت الطاولة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح(2)، ومنها أيضاً إستخفاف الدول الخليجيّة بما يحدث من تطوّرات، وعدم قيامها بأيّ تحرك ميداني لدعم القبائل الحليفة، وكذلك إلتقاء مصالح كل من واشنطن وطهران وبعض كبار مسؤولي الجيش اليمني على مواجهة وإضعاف مسلّحي تنظيم "القاعدة" في اليمن الذين كانوا يواجهون "أنصار الله"، وعدم ممانعة الرياض لذلك، إلخ.

في الختام، قد لا تكون السعودية أدركت في السابق أنّ خصومها في المنطقة سيستغلّون الوضع في اليمن، للإمساك بورقة ضغط ضدّها، وقد تكون فضّلت في فترة من الفترات تواجد أيّ جهة على حدودها غير مسلّحي تنظيم "القاعدة"، لكن بعد أن حصل ما حصل في اليمن من إنهيار تام للسلطة، ومن سيطرة لتنظيم "أنصار الله" المدعوم من طهران، لم يعد بإمكانها غضّ الطرف عن التطورات المتلاحقة على حدودها، لأنّ ما حصل بجوارها، يمكن أن يتكرّر داخل أراضيها في حال عملت طهران على تحقيق ذلك. من هنا، إنّ كل الأمور باتت مفتوحة في اليمن، بدءاً من إحتمال تقاسم السلطة حبّياً بين القوى المحلّية المدعومة من أطراف إقليمية مختلفة، وصولاً إلى إندلاع حرب أهليّة تعيد اليمن إلى ما قبل العام 1990، أيّ إلى مرحلة الإنقسام بين "الجمهورية العربيّة اليمنيّة" و"جمهوريّة اليمن الديمقراطية الشعبيّة"، لأنّ شهيّة "الحوثيّين" مفتوحة على قضم جنوب البلاد بعد شمالها، ولأنّ مصالح الرئيس السابق صالح و"أنصار الله" ستتضارب كثيراً في أجهزة الدولة السياسيّة والأمنيّة ما سيؤدّي إلى تباعدهما وتواجههما مستقبلاً، ولأنّ الإنقسامات المذهبيّة والقبليّة والسياسيّة داخل اليمن تجعله عرضة للإنفجار من الداخل في أيّ وقت، خاصة وأنّ الوضع الإقتصادي في تراجع مستمرّ.

(1)إنطلقوا من جبال صعدة، وزحفوا منها على شمال اليمن حيث الثقل الشيعي، قبل أن يصلوا إلى صنعاء التي سقطت بأيديهم في 21 أيلول.

(2)كان قد حَكم اليمن بقبضة حديدية منذ العام 1978 قبل أن يتنازل عن الحُكم تحت وطأة ضغط الحراك الشعبيّ، مع إحتفاظه بنفوذ كبير في الجيش اليمني الذي لم تقاوم أولويته زحف "أنصار الله" بشكل جدّي.