أبرز تصاعد اللهيب المتصاعد بقوة من اليمن المجاور للمملكة العربية السعودية حراجة اللحظة والتوقيت في غياب الملك عبدالله بن عبد العزيز وحجم التحدي الذي يتركه هذا الغياب امام المملكة في قيادة الدول الاسلامية في المنطقة في مرحلة بالغة الحساسية والخطورة لا تقف عند حدود اليمن بل تتمدد لتشمل مجموعة ملفات حارقة من سوريا الى ليبيا فالبحرين فتصاعد تهديد الدولة الاسلامية في العراق وسوريا الى جانب مسائل لا تقل حراجة في انهيار اسعار النفط . لكن السرعة التي تحركت بها القيادة السعودية في تنفيذ الترتيبات التي اعدها الملك الراحل نفسه لما بعد رحيله بتعيين الامير سلمان وليا للعهد والامير مقرن وليا لولي العهد وجهت رسائل قوية حول وعيها توجيه رسائل قوية في اتجاه استمرارية السلطة وعدم سماحها بحصول فراغ ولو لساعات معدودة، وهي رسائل موجهة الى الداخل والخارج على حد سواء بحيث تدحض نظريات وصيغ حول خلافات محتملة حول الوراثة قامت في مراكز ابحاث ووسائل اعلام غربية اخيرا. كما ان الامر لم يقتصر على الاكتفاء بوضع هذه الترتيبات موضع التنفيذ بل ايضا باعلان مجموعة تعيينات في مراكز حساسة ومؤثرة تدفع في الاطار نفسه اي امساك السلطة الجديدة بمفاصل الدولة بقوة واستعدادها الكامل عبر تحوطها مسبقا لهذه اللحظة واستبعاد احتمال تعرضها لعامل المفاجأة والتخبط في شأنه . فاجرت التغييرات التي رأتها مناسبة ان تحصل لمواكبة مرحلة الفراغ المعنوي في الدرجة الاولى التي يخلفها غياب الملك عبدالله الذي يشهد له انخراطه في الداخل السعودي بمسائل حساسة ببعد اصلاحي كبير، وان لم يشهد تطبيقها كلها، وبملفات خارجية القت ثورات ما سمي الربيع العربي بثقلها امام المملكة جنبا الى جنب مع تحديات تفاقمت في الاعوام الاخيرة وتتمثل بالصراع مع ايران على خلفية طموحها للتدخل في شؤون دول المنطقة كما على خلفية النتائج المرتقبة للحوار مع الدول الغربية حول الملف النووي الايراني . ولا يقلل التحدي المتمثل في تصاعد تنظيم الدولة الاسلامية وامتداده في العراق وسوريا وتهديده دول الخليج العربي حجم المسؤوليات التي خاضتها المملكة بقيادة الملك عبدالله ويتعين عليها متابعتها مع الملك الجديد والقيادة الجديدة.

فالارث السياسي الذي خلفه الملك عبدالله في قيادة السياسة الخارجية للمملكة أخذ وهجه منذ ان اطلق من مؤتمر لقمة الجامعة العربية في بيروت مبادرة السلام العربية التي تدعو الى تطبيع العلاقات مع اسرائيل في مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي العربية المحتلة. وقد عرفت المبادرة من وقتها بمبادرة الامير عبدالله اذ كان لا يزال وليا للعهد حين اطلاقها. وهو امر مهم في التاريخ السياسي الحديث جدا اتاح للسعودية ان يكون لها الدور المحوري الاساس في كل صغيرة وكبيرة في ما يتعلق بالمنطقة وليس اي دور . وقد تعاظم هذا الدور الى حد لم يعد يمكن تجاوزه في اي مرحلة من المراحل خصوصا بعد انطلاق ثورات ما سمي بالربيع العربي وبداية التحولات السياسية في المنطقة.

حين تولى الملك عبدالله الحكم في المملكة رسميا في 2005 قال ديبلوماسيون انهم لا يتوقعون تغييرات كبرى في السياسة الخارجية للمملكة او لسياستها النفطية كون الملك كان يدير الشؤون اليومية للمملكة بصفته وليا للعهد منذ اصابة الملك فهد بجلطة دماغية في العام 1995. الا انه تبين ان تحديات كبيرة واجهت الملك عبدالله نقضت هذا الاعتقاد منذ هجمات 11 ايلول 2001 بعدما شن حملة غير مسبوقة على المتطرفين الارهابيين محذرا من ان المعركة يمكن ان تستمر لعقود. وخلال الحملة الدولية التي يقودها الائتلاف الدولي على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا باتت المملكة اكثر فاكثر رقما صعبا ومحوريا في الاستقرار الاقليمي والدولي وشريكا للمجتمع الدولي لا يمكن القفز فوقه في اي من الملفات الحساسة والمعقدة في المنطقة . فمن المحاولة المبكرة لتفادي الحرب في العراق في 2003 والتي لم تتكلل بالنجاح الى الانخراط عمليا في منع التهديدات عن البحرين المجاورة ومساعدة اليمن في 2011 من اجل استعادة وحدته قبل ان تعود التدخلات الخارجية فتغرقه في الحرب والفوضى في الاشهر القليلة الماضية وصولا الى الموقف الحاسم للمملكة من الصراع السوري الداعم للمعارضة الثائرة في وجه بشار الاسد ومرورا بالمساعدة في عبور مصر التحديات المصيرية التي واجهتها، اكتسبت قيادة الملك عبدالله للمملكة في هذه الظروف وفي مجموعة ملفات معقدة طابعا غير متهاون في الدفاع عن الوحدة العربية وجعلتها دولة مرجعية لغالبية دول المنطقة . وللبنان تجربته الخاصة من رعاية المملكة بقيادة الملك عبدالله له ما مكنه من عبور محطات متعددة بعد الحرب والاعتداءات الاسرائيلية كانت في غاية الصعوبة سياسيا واقتصاديا وكان اخرها المساعدة التي قدمها للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار ومليار اضافي اخير لمساعدة لبنان على مواجهة الارهاب بعد حوادث عرسال.