أثار الكلام الصادر عن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بحق ​البحرين(1)موجة من الانتقادات انطلقت في الخليج وصبّت في لبنان. ردود الفعل هذه طرحت تساؤلات عدة، ليس بسبب مضمونها المدافع عن البحرين، وهو أمرٌ مفهومٌ من قبل الخليجيين أنفسهم، ولكن بسبب التحرك السريع والتدابير العالية السقف التي اتخذت.

هذا التساؤل برز بعد أن سبق للسيد نصرالله أن اتهم السعودية بأمور كبيرة ومنها على سبيل المثال ضلوعها في عملية التفجير التي استهدفت السفارة الايرانية في بيروت(2)، وفي حينه لم يلق الأمر أيّ ردّ فعل خليجي عام، سوى التصريحات المندّدة. وللتذكير، فإنّ مجلس التعاون الخليجي كان قد قرّر سابقاً اتخاذ تدابير ضدّ "حزب الله" في دوله بسبب تدخله في سوريا(3)، وليس بسبب ما قاله عن السعودية.

صحيحٌ أنّ العلاقة بين "حزب الله" والخليج بشكل عام، لم تكن سمناً وعسلاً، وعرفت تقلبات مستمرة في طبيعتها وفق الحالة التي كانت تسود بين هذه الدول وإيران وسوريا، ولكن ردة الفعل هذه المرة كانت مغايرة لأسبابٍ عدّة لعلّ أهمّها:

1- تُعتبَر البحرين الخاصرة الضعيفة للسعودية في دول الخليج، وهذا الأمر تجسّد بوضوح عند حصول التظاهرات في البحرين من قبل المعارضة والتي اتخذت طابعاً شيعياً، فأسرعت السعودية إلى إعادة إحياء منظومة "درع الجزيرة"، وأرسلت في حينه ألف عسكري إلى البحرين "نزولاً عند طلب المملكة البحرينية".

2- لن تحتمل السعودية أو الدول المجاورة لها بشكل عام مشهداً ثانياً لما حصل في اليمن بعد سيطرة الحوثيين، وتُعتبَر البحرين بمثابة "خط أحمر" لا يجوز أن يسقط تحت أيّ ذريعة. من هنا، كانت التعبئة العامة أمنياً وسياسياً واعلامياً في وجه أيّ محاولة لاضعاف البحرين، وجرى العمل على إظهارها مجدداً بأنها ليست وحيدة.

ومع غياب الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، كان استلام الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز الحكم وتعيين الامير مقرن ولياً للعهد لافتاً، في إشارة متوقعة إلى استمرار النهج نفسه إن في السياسة الداخلية أو الخارجية، مع تغيير بسيط قد يطرأ وهو تدخل الملك بشكل أكبر ومباشر في أمور كان الملك الراحل قد ولاّها لآخرين بسبب عجزه عن متابعة الكثير من المواضيع عقب تدهور وضعه الصحي.

3- تعاني البحرين من قلق ورهبة حقيقيين بسبب ما تسمّيه "حزب الله البحرين" وهي تربطه بـ"حزب الله" اللبناني. وترى السلطات البحرينية أنّ بإمكان الحزب اللبناني تجييش أو تحريك الحزب البحريني بسرعة وبطريقة منظمة، ولو أنه لم يتمّ بعد ظهور هذا الحزب في البحرين بشكل رسمي أو علني، إنما تمّ الاكتفاء بذكره من قبل وسائل إعلامية نسبت معلوماتها إلى مصادر في الدولة البحرينية.

4- ترغب دول الخليج في إرسال رسالة إلى إيران عبر "حزب الله"، خصوصاً وأنّ السعودية لا تزال تنظر بارتياب إلى التحرك الاميركي نحو طهران، وقد زادت الريبة بعد التصريحات الاخيرة للرئيس الاميركي باراك اوباما حول نيته استخدام الفيتو ضدّ أيّ قرار للكونغرس بفرض عقوبات إضافية على إيران في الفترة الحالية.

وعلى الرغم ممّا يُحكى من محاولات لترطيب الاجواء بين أميركا والسعودية، إلا أنّ الأمور لا تزال في فترة ركود وترقب. وأكثر ما يمكن تسجيله في خانة التهدئة كان الحوار الداخلي في لبنان بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، لكنه انحصر فقط في خانة تنفيس الاحتقان وضبط الاوضاع ليس الا.

أما بالنسبة إلى ردود الفعل الداخلية، فسيبقى الموقف الرسمي اللبناني يعتمد سياسة "النأي بالنفس" عن تصريحات "حزب الله"، وهو أمرٌ منطقي، كما أنّ الردود المنددة بما قاله السيد نصرالله لن تؤثر على الوضع الداخلي إن في الشارع أو في السياسة، فالحوار حقق أهدافه واستمراره هو لضمان استمرارية هذه الأهداف.

وفي ما خصّ التدابير بالنسبة إلى اللبنانيين في الخليج، فقد تمّ بالفعل اتخاذ هذه التدابير سابقًا، ومن بقي يحظى بثقة الدول الخليجية ومن يرغب في الذهاب الى الدول الخليجية من اللبنانيين عامة والشيعة خاصة، فعليه الخضوع منذ أكثر من ثلاث سنوات لتدابير قاسية، وهي أمورٌ لن تتغير في المدى المنظور.

(1)بتاريخ 9/1/2015، تحدث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. وانتقد بشدة ممارسات النظام البحريني ضد المعارضة، وقال: "سيأتي يوم ويسكن البحرين شعب آخر، كما يعمل الصهاينة في فلسطين ليسكنها شعب آخر، والشعب البحريني استمر بالحراك رغم كلّ ما حدث".

(2)بتاريخ 2/12/2013، أعلن السيد نصرالله أنّ "كتائب عبدالله عزام" التي تبنت عملية تفجير السفارة الايرانية في بيروت ليست "اسمًا وهميًا". وقال: "هذه الجهة موجودة بالفعل، ولها أميرها وهو سعودي، وقناعتي أنها مرتبطة بالمخابرات السعودية التي تدير مثل هذه الجماعات في أكثر من مكان في العالم".

(3)بتاريخ 10/9/2013، قرّر المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ إجراءات ضد المنتسبين لـ"حزب الله" في دول المجلس، سواء في إقاماتهم أو معاملاتهم المالية والتجارية. وأوضح المجلس أنّ "تدخلات حزب الله غير المشروعة، وممارسات ميليشياته الشنيعة في سوريا، ستضر بمصالحه في دول المجلس".