علمت "الراي" الكويتية ان "قيادة حزب الله العسكرية كانت تعكف على تقويم الموقفمن غارة القنيطرة ايذاناً بتحديد خيارات الردّ التي لن تكون ثأرية او انفعالية او عشوائية، بل ستتخذ بُعداً إستراتيجياً، عبر فرض قواعد اشتباك جديدة في ​الجولان​ السوري، في ضوء المتغيّرات التي فرضتها غارة القنيطرة".

ورسمت أوساط لصيقة بـ "ثالوث الممانعة" (​ايران​ وسوريا وحزب الله) لوحة شبه متكاملة لما هو عليه الموقف الآن، بعدما خرقت اسرائيل اتفاقية الهدنة مع سوريا، القائمة منذ العام 1974 برعاية الأمم المتحدة، وذلك عندما أغارت مروحيتان من سلاح الجو الإسرائيلي على موكب القنيطرة، مستخدمة صواريخ "هيل فاير"، الأمر الذي ادى الى اشتعال الموكب وقتْل أكثر من فيه، ولاحقا، كان من الضحايا اتفاق الهدنة، الذي احترق بدوره، وهو الذي ينص على التزام سوريا وإسرائيل بدقة، بوقف النار في البر والجو والبحر، وعلى السماح للقوات الجوية للطرفين بالتحرك ضمن خطوطها من دون تدخل.

ورأت هذه الأوساط ان "خط الممانعة أعطى إشارة الانطلاق لاسترداد خط التماس مع إسرائيل، الذي فُقدت أجزاء منه على يد "جبهة النصرة" والجيش السوري الحر، عندما تمركزا على خط الهدنة، من دون اعتراض إسرائيل وبموافقة منها، وهو ما ترجمته بتقديمها الدعم اللوجستي لهما"، مشيرة الى ان "اتفاق الهدنة كان قضى بانتشار قوات فصل من الأمم المتحدة بين الجيشين السوري والاسرائيلي، لكن القوات الدولية أُخذت قبل مدة رهينة من "النصرة" التي لم تفرج عنها الا بعد دفع فدية". هكذا انتشرت قوات من "القاعدة"، حسب الأوساط عينها، على خط الهدنة و"فتحت لها البوابات المقفلة منذ العام 1974 لاستقبال جرحى القوات المعادية لنظام الرئيس بشار الأسد، إضافة الى ان اسرائيل فتحت النار مراراً ضد الجيش السوري الموجود هناك، حتى اصبحت دفة السيطرة تميل لمصلحتها ومصلحة القوى الموجودة على الأرض والمتناغمة معها".

ولاحظت هذه الأوساط ان "هذا الواقع أشعر إسرائيل بأنها تملك الجغرافيا في القنيطرة والقرى المتاخمة لها، ما شجعها على ضرب المناطق الأكثر عمقاً في سوريا، كما حدث في قاسيون ودمشق ومطارها بحجة ضرب خطوط إمداد الحزب، مستهدفة مستودعات الجيش السوري نفسه".

وعلمت "الراي" ان القيادتيْن الايرانية والسورية ومعهما الحزب، اتخذوا قراراً حاسماً بالبدء في استعادة خط التماس مع اسرائيل، بعدما خسروه العام الماضي، وأول الغيث في ترجمة هذا القرار، كانت السيطرة قبل ايام على طريق دمشق - سعسع - القنيطرة، وذلك في اطار العمل على فرض قواعد اشتباك جديدة على أنقاض اتفاق الهدنة".

وكشف معلومات خاصة لـ"الراي" ان "وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج، زار القنيطرة قبل أيام، تأكيداً من قيادته على أن هذه الجبهة لن تكون مسرحاً لإيران والحزب فقط، بل لخطّ الممانعة مجتمعاً بما فيه سوريا". وقال عارفون لـ "الراي" ان قواعد الاشتباك الجديدة في الجولان "لن تكون عبر عمليات تحرُّش او الضرب على طريقة (العين بالعين)"، بل يجري التركيز على بناء استحكامات جديدة تحاكي ما هي عليه الآن مزارع شبعا في جنوب لبنان، تماماً كالوضع الحالي في جبل الرفيع ومليتا وجبل صافي، وهو ما يعني البدء بمعركة استنزاف حقيقية على مستوى العتاد والمواقع وطائرات الاستطلاع، وخصوصاً ان قوات الحرس الثوري والحزب والقوات الخاصة السورية راكمت خبرات هائلة على مدى 3 أعوام في سوريا، ما يجعلها مؤهلة لفتح منطقة عسكرية طويلة تمتد على مسافة 70 كيلومتراً على الحدود.

وتستلهم قواعد الاشتباك الجديدة - بحسب هؤلاء - المعادلة التي كان أرساها "تفاهم نيسان" في جنوب لبنان (العام 1996)، والتي كانت تقوم على ان اي استهداف للداخل اللبناني سيقابله استهداف للداخل الاسرائيلي "فمستقبل الوضع في القنيطرة والجولان يسير في هذا الاتجاه، وخصوصاً بعد ان ينتهي العمل من اقامة الاستحكامات. فأي اعتداء على الداخل السوري سيقابله رد على المستعمرات الاسرائيلية، الا في حال اقرت اسرائيل بعد ذلك بالذهاب الى تفاهم جديد يحصر العمليات بالقوات على طرفيْ خط المواجهة كما حصل سابقاً في جنوب لبنان حين اخذت شكل حرب كمائن وعبوات، وهو الامر الذي سيضطر معه الاسرائيلي للخروج من مواقعه للاستطلاع".

وعلمت "الراي" ان "الحزب بدأ بمدّ شبكة اتصالات خاصة تربط بين لبنان وسوريا وبين مناطق وجوده داخل سوريا ومنطقة قواعد الاشتباك الجديدة في القنيطرة، في ترجمة للخيار الإستراتيجي الجديد الذي بدأ العمل في ظلاله". وافادت مصادر خبيرة في سلوك الحزب وخياراته لـ "الراي" ان "الحزب لم تكن لديه، يوم بدأ المشاركة في المعركة في سوريا، اي نظرة إستراتيجية بعيدة المدى لما قد تأخذه اليه الامور في بلاد الشام وخصوصاً حين وصلت قوات "النصرة" الى عمق العاصمة دمشق. اما اليوم فقد اصبحت الامور اكثر نضوجاً، ما دفعه الى انشاء قوة خاصة تتفرغ للجبهة الجديدة التي فتحت إسرائيل أبوابها على مصراعيها في الجولان والقنيطرة".