يدرك حزب الله ان الحرب مع اسرائيل لا ترتبط بنوعية السلاح الذي يمتلكه، ولا باعداد الصواريخ المتطورة بحوزته التي يمكن ان تدمي اسرائيل. الحرب هي ايضا مقدمات لوجستية وسياسية وطنية واقليمية. صحيح ان ايران ومن خلال حزب الله تريد ان تنتزع ملف الصراع العربي الاسرائيلي من يد العرب وتتحكم باوراقه سياسيا ودولياً، لكن الحرب مع اسرائيل ليست هي الاولوية اليوم، فاعتبارات مواجهة تنظيم داعش واقرانه من المنظمات التكفيرية يكتسب الاولوية في السياسة الايرانية الخارجية، كما المحافظة على بقاء نظام الاسد في سورية.

في حساب الاولويات عند ايران وحزب الله القوى التكفيرية، وعلى رأسها تنظيم داعش، هي قوى خطيرة، لديها قوة استقطاب في البيئة السنيّة عموما ولا سيما في سورية والعراق ولديها قدرة تمدد كشفت عنها السنوات الاخيرة بشكل بدا انه القوة الوحيدة الفاعلة في مواجهة النفوذ الايراني بالمنطقة العربية. لذا فايران كما حزب الله تتحسس الخطر التكفيري اكثر من الخطر الاسرائيلي. يكفي ان يستقطب تنظيم داعش 5 في المئة من المسلمين السنّة ليشكل قوة هائلة، فكيف اذا رافق ذلك عدم وجود حماسة لدى الانظمة العربية والاسلامية المواجهة والمنافسة للنفوذ الايراني في العراق وسورية واليمن ولبنان... لاتخاذ قرار جدّي بانهاء هذا التنظيم. خصوصا ان احدى الوظائف التي يقوم بها هذا التنظيم هي الوقوف في وجه التمدد الايراني السياسي والعسكري في سورية والعراق. وحتى الادارة الاميركية تدرك ان وجود هذا التنظيم يوفر مثل هذه المهمة. لذا في ظل غياب اي توافق اقليمي ايراني – سعودي – تركي سيظل تنظيم داعش عنصر توازن تستثمره الادارة الاميركية للجم التمدد الايراني في اكثر من دولة.

والحال هذه فالعمل على وقف تمدد "داعش" هو الاولوية. اليس هو من يهدد الوجود الشيعي كما تؤكد القيادات الايرانية التي تدير عملية الاشراف والاعداد لقوى الحشد الشعبي في العراق والميليشيات الشيعية في سورية؟ بتعبئة تقوم على ان التكفيريين هم الخطر الاول على الشيعة اليوم. لذا لم يكن هناك اي عقدة ايرانية في تنسيق القتال الميداني مع القوات الاميركية في العراق.

ليس من معطى موضوعي يسمح لحزب الله بفتح جبهة قتال مع اسرائيل لا في لبنان ولا في الجولان. وبعد اكثر من اسبوع على الضربة الاسرائيلية لايران وحزب الله في القنيطرة، يمكن ملاحظة ان قرار "ردّ حزب الله الحتمي" مقيّد بعدم الاستعداد لخوض حرب مع اسرائيل، سورية تبدلت وخطر داعش داهم. لا بل يمكن ملاحظة ان هناك عدم رغبة في دفع التعبئة الحزبية والشعبية من اجل التمهيد لضربة حتمية توازي حجم الخسارة في عملية القنيطرة. ولعل ما قاله نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال تأبينه جهاد عماد مغنية امس، من ان "الاعتداء الذي حصل في منطقة القنيطرة هو على بعد حوالى سبعة كلم من الحدود السورية الفلسطينية، وبين الحدود وتواجد المجاهدين مساحة من الارض يتواجد فيها التكفيريون من جماعة جبهة النصرة.."، هو اشارة الى ان موكب حزب الله لم يكن في مواجهة منطقة الاحتلال مباشرة بل بعيد عنها 7 كلم وتفصل بينهما جماعة جبهة النصرة، وهي المرة الاولى التي تكشف فيها هذه المعلومة. وهي تنطوي على اشارة واضحة الى أن هدف الموكب لم يكن الاحتلال الاسرائيلي مباشرة. كما انها تنطوي على عدم رغبة حزب الله في استثمار الحادثة لاستدراج حرب مع اسرائيل.

ومما قاله النائب محمد رعد امس: "إذا كنا متوجهين إلى أن الخطر العدواني على لبنان هو الخطر الإسرائيلي والتكفيري، فينبغي أن نلم شملنا جميعا من أجل أن نواجه هذين الخطرين اللذين هما وجهان لعملة واحدة". وهو موقف يستكمل الوجهة التي دفع بها حزب الله داخليا، اي مراعاة التضامن الداخلي. في حرب تموز 2006 أدّت الحكومة دورا كان يحتاجه حزب الله على المستوى الدبلوماسي. فالانتصار عند حزب الله هو ليس هزيمة العدو في عقر داره، بل في محاولة الصمود واستثماره حتى تأتي اللحظة الدبلوماسية لتحقق اتفاقا سياسيا او وقفاً لاطلاق النار. من هنا يفرض احتمال الحرب من قبل اسرائيل على حزب الله الذهاب اكثر نحو تمتين البنية الداخلية وتماسكها. ربما حزب الله يكتشف اليوم اهمية انتخاب رئيس للجمهورية، كردّ ابلغ على عملية القنيطرة.