على غرار الافلام السينمائية، أخذ التوتر والسجال عطلة قسرية بين حزب "​القوات اللبنانية​" و"التيار الوطني الحر"، يأمل الكثيرون أن تدوم فترة طويلة وأن ترسي أسساً جديدة في التعاطي بين الفريقين المسيحيين على الساحة اللبنانية.

لم يكن الامر يحتاج إلى انصهار تام لأحدهما في الآخر، أو لسيطرة أحدهما على الآخر، أو حتى لتبنّي أحدهما طروحات الآخر ومواقفه، فقد ثبت أنّ كلّ ما يحتاجه الأمر هو كلمة واحدة من فم الزعيمين المسؤولين لتصل إلى القاعدة الشعبية وتجمّد النار المضطرمة التي كانت تستعر في نفوس المحازبين والمؤيدين.

لن ينخدع أحد بطبيعة الحال ويعتقد أنّ المحبة سادت بين القواتيين والعونيين، وأنّ صفحة السنوات الثلاثين مع ما حملته من حقد وكراهية قد انتهت، ولكن الذي يمكن ملاحظته أنّ الجو العام بات "ألطف" بين قاعدة الطرفين، منذ أن تمّ الاعلان عن التحضير للحوار بين العماد ميشال عون و​سمير جعجع​.

إسقاط الدعاوى القضائية، ووقف الحملات الاعلامية، انعكس على الناس أيضاً، فلم يعد يتمّ "الهجاء" والتململ من الانتماء الحزبي للآخر إلا "بالخفاء" أو أمام حلقة مغلقة من الأصدقاء. هذه كانت الثمرة الاولى البارزة والعلنية للحوار حتى قبل اللقاء المرتقب بين زعيمي الحزبين، وقد ظهر جلياً في الجامعات وعلى الطرق وفي المدارس وفي مراكز العمل وغيرها...

ولكنّ الخوف يبقى في أن تتعرّض هذه "الهدنة" لانتكاسة عند أول استحقاق معيّن أكان في الانتخابات الطالبية في المدارس والجامعات، أو في الانتخابات النقابية والعمالية، أو في الانتخابات أو عند محطة سياسية كبيرة... فيذوب الجليد وتعود النيران إلى الساحة، وتنتهي العطلة القسرية للتوتر والخلاف ليتسيّدا الساحة من جديد.

أثبتت التجربة الأخيرة أنّ "الهدنة" غير مكلفة، وهي لا تتطلب التنازل عن أيّ من المواقف أو المبادئ التي ينادي بها "التيار الوطني الحر" أو حزب "القوات اللبنانية"، وأنّ حلفاء كلّ منهما لم يتضرّروا جراء الهدوء الذي ساد الجبهة المسيحية، فما الذي يمنع إكمال هذه المسيرة ليتم "إصلاحها وتغييرها" لـ"تبقى وتستمر"؟

- الواقع يشير إلى أنّ الثقة المفقودة من الصعب إعادتها، ولكن الخطوة الاولى على طريق الألف ميل قد تمّت، وبالتالي من المنصف القول أنه إذا نجح الطرفان في إرساء "قواعد اشتباك" صادقة، يمكن عندها التعويل على أنّ الاختلاف في المواقف ولو كان حاداً، لن يصل إلى حدود التقاتل.

- يمكن لأيادٍ خفية أو خارجية في أيّ وقت، "تخريب" ما تمّ إنجازه حتى الآن، ولن يكون من الصعب إعادة الأمور إلى نقطة الصفر، خصوصاً إذا كان الأساس الذي ارتكزت إليه اللقاءات هشًّا، لانه عندها يتعرض لهزّة كبيرة عند أيّ موقف أو تصريح أو حدث.

- لأنّ الحزبين هما الأبرز على الساحة المسيحية، يبقى الصراع قائماً على أحقية كلّ منهما في انتزاع "الصدارة" وبالتالي أن يتحول إلى ركيزة ضمن الركيزتين الاساسيتين اللتين يقوم وسيقوم عليهما لبنان.

- من الطبيعي أن يكون الاستحقاق الرئاسي أحد عوامل الحذر بين الطرفين، فإذا وصل أحد الزعيمين إلى الرئاسة، أو حتى شخصية مقرّبة من أحدهما، تحول الآخر بطبيعة الحال وبشكل آلي إلى المعارضة وسيشعر أنه تمّ استبعاده، وسيعمل بكلّ ما أوتي من قوة وشعبية إلى التجييش لإظهار الطرف الآخر وكأنه انقلب على ما تمّ الاتفاق عليه، وستستعر الحرب الاعلامية وستؤدي إلى احتقان في نفوس المؤيدين ولن تتأخر "المتاريس" لتطل من جديد وتعيد أيام الماضي.

في المحصّلة، ليس من المستحبّ تسريع الأمور وسلق المراحل لعقد لقاء بين الزعيمين المسيحيين، ولكن في المقابل، ليس من الطبيعي أن يتمّ التأخر طوال هذا الوقت في التحضير إذا كانت النتيجة غير محسومة أو في حال كانت الامور لا تزال عالقة عند نقطة البداية، أو في حال تبيّن أنّ ما بُني كان على رمال وليس على أرض ثابتة.