ستسبب وفاة الملك عبد الله فراغاً استراتيجياً جديّاً. ستضعف قوة السعودية وتأثيرها في المجال الإقليمي نتيجة اختلال توازنات القوى بين الأجنحة المتنافسة. وفاة الملك تبدو كآخر مراحل العظمة السعودية بعدها سيبدأ تطور الحراك الداخلي الذي لن يترك مجالاً لأحد التفكير بما هو خارج المملكة. سرعة مبايعة ملك جديد يثبت الضعف السعودي لا العكس. فهناك قلق من انفجار التناقضات في وقت تشهد المنطقة صدامات وتداعيات لا حصر لها. صحيح أنّ الولايات المتحدة تعمل على استمرار حالة التوازن التي ليس فيها منتصر نهائي بين الأجنحة المتنافسة داخل الأسرة الحاكمة، لكنها لا تستطيع أن تمنع إدامة التدافع والصراع على كراسي الحكم بين جيش من الطامحين. دخلت السعودية في معترك تأجيج الخلافات العربية العربية بالمال النفطي، وساهمت في شكل فعّال في نمو وتعاظم الجماعات التكفيرية الدموية، وتواصلت مع الكيان الصهيوني لمواجهة إيران وإسقاط سورية بطريقة جنونية، ثم عمدت إلى توتير الخلافات السنية الشيعية ليصبح فناء الصراع مذهبياً لا سياسياً، وعمدت إلى التدخل المباشر في العراق فمزقت نسيجه الاجتماعي والسياسي والديني، وخرجت القضية الفلسطينية نهائياً من خلال المبادرة الشهيرة للاستسلام التي قدمتها في قمة بيروت. ولا أحسب أنّ هذا الكم الكبير من الخطايا سيكون بلا تداعيات على الوضع داخل المملكة وعلى المنطقة بأسرها. إذاً ستدخل المنطقة وضعاً خطيراً جديداً مع حدث الوفاة، والمتوقع أن ترتفع وتيرة النزاعات والتوترات التي ستشهدها دول الخليج، خصوصاً في اليمن والبحرين اللتين ترتبطان بالوضع السعودي ارتباطاً عميقاً من الناحيتين السياسية والاستراتيجية.

والمحتمل أيضاً أن تنتقل الأحداث بعد سورية والعراق إلى الخليج الذي سيصبح ميداناً لتناقضات ومنافسات الدول الكبرى والإقليمية، وسنجد أنّ محور الصراعات والتنافسات المقبلة ستمتد إلى الساحة الخليجية التي تشهد أوضاعاً سياسية غير مستقرة منذ سنوات. هذا الكلام التحليلي ليس من باب الشماتة بل كنّا دائماً نرجو أن تكون مواقف السعودية في إطار التضامن العربي والإسلامي وفي مصلحة الاستقرار والأمن في المنطقة. كنا دائماً نرغب في أن تكون المملكة في صدارة الداعمين للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها. كنا نتطلع أن تكون المملكة في موقع من يطفئ نيران الفتن المذهبية. كنا نرى أن يكون تحالف السعودية مع إيران وتركيا يصب في مصلحة المسلمين في مواجهة المستكبرين الذي يسعون لنهب ثرواتنا. ولكن الخيبة كانت تتلو الخيبة من الفكر الوهابي والسياسات السعودية التي جعلت النار في المنطقة تشتعل أكثر فأكثر فيما «إسرائيل» تتفرج على حروب المسلمين وقتلاهم. وكنت قد كتبت رسالة مفتوحة منذ سنوات للعاهل السعودي أناشده فيها توحيد الموقف الإسلامي وتعزيز المقاومة في وجه «إسرائيل»، وتأكيد خيار المصالحة والتقارب بين إيران والسعودية، غير أنّ آمالنا سرعان ما خابت باستلام صقور المملكة دفة السياسات التي عمقت الصراعات وجعلت المنطقة تعج بالفتن. ما الذي يمكن أن ننتظره في الغد سوى الدعاء أن يحفظ الله هذه الأمة بأخيارها الذين لا يتعبون بالدفاع عنها ويبذلون أرواحهم من أجلها. حفظ الله قائد المقاومة وشمسها الوضاءة لفجر لا يكون إلا نصراً مبيناً مكللاً بالعزة والكرامة!