لن تخرج إطلالة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الجمعة المقبل عن الإطار الذي رسمه نائبه الشيخ نعيم قاسم امس الاول في ذكرى أسبوع الشهيد جهاد عماد مغنية. فكلام السيد نصرالله سيركز على الابعاد السياسية التي خلفتها غارة القنيطرة على مجموعة من مجاهدي وكوادر المقاومة في لبنان والحرس الثوري الايراني. وسيعتبر نصرالله ان الحماقة الاسرائيلية بالاعتداء الجديد مكسب استراتيجي إضافي للمقاومة. فبنيامين نتنياهو دفع من خلال العملية لتحقيق مكاسب انتخابية وداخلية له، الى توحيد الجبهات من طهران الى لبنان، فمنح المقاومة وقيادتها الامنية والعسكرية ورقة إضافية واستراتيجية وأعطاها حق الرد وقت تشاء واينما تشاء وكيفما تشاء. وبطبيعة الحال وكما تؤكد مصادر مطلعة على المداولات الداخلية لـ"حزب الله" فإن السيد نصرالله لن يدخل في اية تفاصيل لوجستية او عسكرية او امنية عن العملية وأسباب تواجد الكوادر في هذه المنطقة كما سيحاذر الدخول في اية تفاصيل متعلقة بطبيعة الرد وتوقيته ومكانه. فهذا متروك لتقدير القيادة العسكرية والامنية للمقاومة التي تقيّم بشكل متواصل الظروف الميدانية وترصد الجبهات بعناية ودقة. وتعتبر المصادر ان التهديدات الاسرائيلية وحملات الوعيد والتشويش وبث التقارير الاعلامية والضغط عبر السفراء الغربيين في بيروت امر عادي ومتوقع وليس جديداً، لكنه لن يغير في واقع الامور بشيء فكل ما تراه المقاومة مناسباً ستقوم به ولا تنتظر من احد ان ينبهها او يرشدها الى مصلحتها.

مصلحة لبنان وعدم توفير اية ذريعة لاسرائيل لشن اي عدوان جديد على لبنان، تراه المصادر من البديهيات وتسأل من هو احرص من المقاومة على مصلحة لبنان وشعبه؟ ومتى واين قامت المقاومة بتعريض لبنان ومصلحته للخطر؟ وتكاد تجزم ان توقيت الرد مرتبط بالتطورات الميدانية اما مكانه فلن يكون من الاراضي اللبنانية لأسباب لبنانية داخلية. فمن جهة لا يريد "حزب الله" ان يعرّض الحكومة وهو الحريص على استمرارها وعملها في ظل الشغور الرئاسي، وبقائها في مهمتها وهي إدارة شؤون البلاد والعباد مع تسجيل الكثير من التحفظات على عملها وانتاجيتها.

ومن جهة ثانية حريص جداً على إنجاح مناخات إرساء الثقة التي بدأت تتجلى في الحوارات الثنائية والداخلية اكان بينه وبين "المستقبل" ام بين حليفه العماد ميشال عون والقوات اللبنانية فأي عمل عسكري ضد اسرائيل من لبنان سيدفع الامور الداخلية الى تأزم غير محمود وليس مطلوباً راهناً. كما ستخرج اصوات الفها الحزب لتحمّله تبعات اي عدوان اسرائيلي.

الجانب الايراني المرتبط بعملية القنيطرة باستشهاد العميد محمد علي الله دادي يدخل ايران ايضاً في معادلة الرد على العدوان. وتدرس القيادة الايرانية بعناية الرسالة - الاستهداف وكيفية الرد عليه وتوقيته مكانه وزمانه. كما هي مدركة ان برنامجها النووي الايراني هو المستهدف من وراء الغارة الاسرائيلية فكما الوجود الصهيوني تهديد استراتيجي لمحور المقاومة وشعبه، تعتبر إسرائيل ان تكريس القوة النووية لإيران تهديد وجودي لها. وتفيد المعطيات الواردة من المحادثات بين ايران واميركا والدول الخمس ان إمكانية توقيع إتفاق -إطار سيكون خلال آذار المقبل على ان تنجز التفاصيل النهائية للاتفاق قبل تموز المقبل.

التطورات الميدانية التي تشتبك على ساحاتها ايران مع اميركا واوروبا والسعودية والمحور الخليجي تفيد بتقدم واضح وملموس لمصلحة ايران وحلفائها. ففي اليمن يتقدم الحوثيون على خط إفشال المخطط السعودي بعزلهم وتهميشهم وإنتاج سلطة متوازنة وعادلة يكونون شركاء فعليين فيها.وفي البحرين يحاصر الحراك الشعبي السلمي والاصرار على استمرار الثورة السلمية، كل محاولات آل خليفة لخنقه واعتقال رموزه وزجهم في السجون. وفي العراق تسجل قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي الانتصار تلو الآخر في مواجهة "داعش" وتحرر المحافظات تباعاً. وفي سورية تتقهقر "داعش" و"جبهة النصرة" والقوى المتطرفة الاخرى امام الجيش السوري والدفاع الشعبي في اكثر من محافظة ومنطقة وهي لم تستطع حتى الآن تحقيق ما تطالب به من مناطق عازلة او "محررة" او تأسيس الارضية الصالحة لارساء "دولة الاسلام البغدادي".

التقدم في الساحات التي يعتبر الاسرائيلي نفسه معنياً بمكاسب ومصالح فيها، دفعته الى دق ناقوس الخطر وقراءة التطورات من منظاره، فحرب الاستنزاف التي يخوضها بالوكالة وعبر اذرعه التكفيرية مع ايران وسورية و"حزب الله" على الارض السورية لم تضعف هذا المحور بل جعلته يغير المعادلات على الحدود من الجنوب اللبناني الى الجولان الى غزة فمن كان يسعى الى انهاكهم اصبحوا على حدوده.

القراءة المتأنية لما يجول في خاطر المقاومة وايران تدفع الى القول ان امتصاص ضربة القنيطرة صار وراءهما، وان المرحلة المقبلة هي في اختيار اللحظة المناسبة لإفهام العدو ان المبادرة ما زالت في جيبنا وسيبقى حق الرد موجوداً وسيكون موجعاً من حيث لا يحتسب. فربما سيكون هناك رد قبل كلمة نصرالله الجمعة وربما سيكون الرد بعد آذار المقبل.