في غمرة الأحداث والتطورات الاقليمية والدولية التي تراوح بين حدّي استخدام سلاح النفط وإشعال بعض الجبهات القديمة الجديدة على غرار تزكية الصراع في أوكرانيا وإعادة تحريك جبهات القتال بين الأكراد و"داعش" في كوباني عين العرب وسيطرة الفريق الاول على مناطق استراتيجية إضافية في المدينة، تابعت مصادر دبلوماسية شرقية باهتمام بارز الاجتماعات المرتقبة بين النظام السوري ومعارضيه في موسكو خصوصًا بعد الموقف الأميركي الأخير غير المعترض أو المعرقل لهذه اللقاءات في ظلّ قناعة متولدة حديثًا لدى الادارة الأميركية مفادها أنّ إسقاط النظام السوري في المدى المنظور أو البعيد بات من المحرّمات الدولية بعد تنامي موجة الارهاب التكفيري ووصولها إلى عمق القارة الاوروبية والحاجة الاستراتيجية للمعلومات والملفات التي كوّنها النظام من خلال خبرته الطويلة في التعامل مع الارهابيين والتكفيريين، إضافة إلى نجاحه في مراقبتهم والحد من خطرهم في المنطقة.

في السياق، يكشف الدبلوماسي أنّ الخارجية الروسية تعمل على خطين متوازيين منذ أكثر من أسبوع، فهي من جهة تتابع مع أطياف المعارضة من خلال اتصالات واسعة النطاق مع قياداتهم العليا والدول الداعمة لهم سياسيًا وعسكريًا، ومن جهةٍ ثانيةٍ تتابع مع الدبلوماسية السورية للوصول إلى قواسم مشتركة تسمح بإعادة إحياء مشروع المؤتمر الوطني السوري برعاية دولية وأممية من دون أن يعني ذلك إشراك التنظيمات الأصولية والتكفيرية بل التعاطي مع الدول الداعمة لها والضغط عليها للحدّ من دعمها اللوجستي لمقاتلي "النصرة" و"داعش" وإغلاق حدودها أمامهم، والمعني هنا تركيا الموضوعة على خط الاتصالات الساخن مع روسيا وايران، وهي اتصالات تتعدى الموضوع السياسي لتصل إلى حدود الملفات الاقتصادية الاستراتيجية المعلقة بين هذا الثلاثي الحيوي للمنطقة.

ليس بعيدًا، يتوقف الدبلوماسي عند جملةٍ من الاشارات والتطورات الفاصلة بين الاعلان الروسي عن الموعد المقرر لبدء الاتصالات المباشرة بين فريقي الصراع السوريين من جهة والموافقة الأميركية الضمنية التي جاءت على لسان وزير الخارجية الاميركية جون كيري في موقف علني أكّد فيه على الحل السياسي السوري من جهة ثانية وما تحقق على أرض الواقع الميداني من جهة ثالثة. ويعتبر في هذا الإطار أنّ التطورات العسكرية منذ ذلك الحين تشكل ورقة ضغط على المعارضة السورية والدول الداعمة لها بشكل عام، فليس من باب المصادفة أن يستعيد الاكراد السيطرة الكاملة على مدينة كوباني عين العرب بالتزامن الكامل مع إعلان واشنطن عن الانتهاء من تدريب عناصر جديدة من "الجيش الحر" لمواجهة "داعش"، وبموازاة البدء بالمحادثات في روسيا، بل إنّ المنطق الذي تتعاطاه الدول يمكن أن يؤشر إلى أنّ ما حصل ويحصل هو من باب الضغط على المعارضة لعدم رفع السقف والبقاء تحت الخط الأحمر الروسي – الأميركي المرسوم للحل السياسي مهما كان شكله أو آلية تنفيذه.

وفي وقتٍ لا يسرف فيه الدبلوماسي بالتفاؤل، يعرب عن اعتقاده بأنّ الأمور وُضِعت على سكتها الصحيحة، كما يؤكد أنّ المرحلة الراهنة هي للتبريد الجزئي حتى لا تصل النار إلى أبعد من الحدود المعروفة لاسيما أنّ سرعة انتشارها بدأت تخرج عن السيطرة في أكثر من مكان، فعودة "الاخوان" للحراك في مصر بالتزامن مع الحراك المصري باتجاه سوريا معطوفًا على المتغيرات السريعة والسلسة في المملكة العربية السعودية عوامل مساعدة للاتفاق على جدول أعمال ينطلق منه المعارضون والنظام السوري معًا للتأسيس لحلول بدأ الرئيس السوري بشار الأسد يمهّد لها من خلال مواقف أقلّ تصلبًا داخليًا وأكثر تشدّدًا خارجيًا في مشهدٍ يوحي بأنّ الاعتمادات فتحت لتصفية بعض الحسابات.