أكثر ما يستفزّ هذه الأيام أهالي القرى الحدودية المسيحية في البقاع، هي بعض التصريحات التي تصدر بين الحين والآخر على ألسنة بعض وزراء ونواب "تيار المستقبل"، وآخرها ما قاله أحد الوزراء أن "البيان الوزراي أسقط ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة".

كلام هذا الوزير نزل نزول الصاعقة على أهالي بلدتي ​رأس بعلبك​ و​القاع​ الذين، ومنذ فترة طويلة، لا ينامون الليل تحسباً لأي خرق حدودي قد تنجح فيه التنظيمات الإرهابية الاجراميّة التي تحاول بين الحين والآخر إجتياح بلدة مسيحية محاذية لسلسلة جبال لبنان الشرقية، التي ينتشر خلفها الآلاف من المسلحين المنتمين الى تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الارهابيين.

لا يصعب على زائر هاتين البلدتين، أن يكتشف سريعاً عدم إهتمامهم لما ينص عليه البيان الوزاري الجديد لحكومة تمام سلام، أو لما ذكره بيان حكومة سلفه نجيب ميقاتي، حيال ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". "نحن في حالة حرب، وفي الحروب عادة، تسقط كل النصوص خصوصاً إذا كانت المعركة معركة وجود". بهذه الكلمات يفسرون وضعهم الميداني القائم بشكل أساس، إعترف الوزراء بذلك أو لم يعترف بذلك. هم، الشعب المسلح دفاعاً عن أرضه وعرضه، وخطّ الإمداد الخلفي اللوجستي لحراس الحدود الجبلية، وعلى تخوم البلدتين في الجرود الوعرة، ينتشر ​الجيش اللبناني​ بمدفعيته الثقيلة، ومعه "حزب الله" وصواريخهم. "الثلاثة معاً يؤمنون حماية المنطقة مجتمعين"، يقول الأهالي، "وإذا كان أحد الوزراء يريد التأكد من هذه المعادلة فأهلاً وسهلاً به، بيوتنا مفتوحة له، كي يعيش التجربة قبل أن ينظّر عن بُعد عن كيفية الدفاع عن الأرض والوجود وما إذا كانت الدولة لوحدها قادرة على القيام بهذه المهمة أم هي بحاجة الى الشعب والمقاومة". إنزعاج الأهالي من كلام هذا الوزير يدفع البعض منهم الى رفع منسوب إنتقاده له، ويسأله "هل زرت مدينتك ولو ليوم واحد عندما كانت جولات القتال قائمة بين رجالك من قادة المحاور في باب التبانه وجبل محسن أم أنك كنت تكتفي بالتعليق على ما يحصل من منزلك البيروتي؟"

في قول هذا الوزير، إنتقاد لدعوات الأمن الذاتي، الأمر الّذي أثار حفيظة أهالي القاع ورأس بعلبك، وذلك لأسباب عدة. أولها أنهم لا يقبلون إنتقاداً من هذا النوع مصدره، سياسي ساهم بنشوء ظاهرة قادة المحاور في طرابلس، وموّلها وسلّحها من دون أن يبخل عليها بالغطاء السياسي اللازم، كل ذلك تحت شعار الدفاع عن المدينة وأهلها في مواجهة الجيش اللبناني. وثانيها أن أهل البلدات الحدودية، ليسوا من هواة الأمن الذاتي وخير دليل على ذلك أن شبابهم، وغالبيته من خريجي الجامعات، عاش بسلام قبل إنطلاق الأحداث السورية بعيداً كل البعد عن حمله السلاح وترك منازله وعائلاته في ساعات الليل لتأمين الحراسة والدوريات، حفاظاً على الوجود.

إذاً الثلاثية التي وُصِفَت بالخشبية، هي المعادلة القائمة على الأرض في المناطق الحدودية، "وبما أن الرضى على قيامها ينطلق من أطرافها الثلاث، الجيش والشعب والمقاومة، يبقى البيان الوزاري وما يقال حبراً على ورق حتى زوال الخطر الإرهابي". هي الرسالة التي يوجهها الأهالي لوزراء حكومة تمّام سلام.