أمضى العماد ميشال عون أشهراً يحاور «المستقبل»، ولكن لا نتيجة. وعلى الأرجح، لن تنجح المشاورات التمهيدية مع «القوات ال​لبنان​ية» في إمتحان الخروج من الصف التمهيدي... ولا بأس بتجربة جديدة مع السعودية!

لا يريد القريبون من «الجنرال» إعطاء زيارته للسعودية أبعاداً تتجاوز حدود التعزية. ويجدر التذكير بأنّ الرجل لم يحبذ تلبية الدعوات الشخصية التي تلقّاها سابقاً، لإقتناعه بأنّ زيارة من هذا النوع لا يجوز أن يُفرِّط بها، إذا لم تكن إستثماراً مضموناً. وحتى اليوم، إقتصرت الزيارات على الوزير جبران باسيل وبعض ذوي الثقة.

كان عون، آنذاك، قد إستنفر «سفراءه» دولياً وإقليمياً لإقناع الجميع بأفضلية إنتخابه رئيساً قبل حلول الفراغ في أيار. وفعلاً، هو نجح في إقناع بعض الدوائر في واشنطن وعواصم أوروبية. ولذلك، بدأت تتسرَّب التقارير التي تجزم أنّ «القرار» الدولي بإنتخاب عون قد صدر.

ولكن، تبيَّن أنْ لا الأميركيين ولا الأوروبيين ولا الإقليميين، على مستويات القرار، وصلوا إلى إقتناع بالضغط لإجراء الإنتخابات أولاً، وبإنتخاب عون ثانياً. ولذلك، عندما أقدم «حزب الله» على التعطيل، لم يتبرَّع أيّ طرف خارجي ببذل جهود إستثنائية لتذليل العقبات.

في شتاء 2014، كان عون يعتقد أنّ إنتخابه متوقف على السعودية فقط. فطهران مضمونة «في الجيب» وكذلك الأميركيون والأوروبيون. فإذا أوعزت السعودية للرئيس سعد الحريري، فهو سيتكفل بالغالبية المطلوبة لإنتخابه في المجلس النيابي. وأعلن عون صراحة أنّ إنتخابه متوقف على الحريري.

وعلى رغم المفاوضات المضنية، والإجتماع الشهير بين الرجلين في روما، لم يتلفَّظ الحريري بكلمة «نعم». وعلى العكس، أبلغ حليفه الدكتور سمير جعجع لاحقاً، في باريس، أنه لن يتبنّى ترشيح عون، لكنه في المقابل لن يقطع الحوار معه. فهو نجح على الأقل في دفع عون إلى الهدوء الإضطراري مع «المستقبل»، ووقف الحملات الصاخبة، من نوع «الإبراء المستحيل» وسواه.

ومع دخول السعودية عهدها الجديد، يطمح عون إلى أن يكون له حظّ في تكرار المحاولة معها، وتالياً مع الحريري. وهو رأى أنّ من المناسب القيام بالزيارة ما دام العنوان بروتوكولياً، أيْ من دون أن يكون لها ثمن. فلا يمكن لأحد أن يأخذ على عون أنه تنازل سياسياً لمجرد قيامه بهذه الزيارة.

وربما هناك فرصة جديدة لبناء العلاقات بين الرابية والرياض، بعد فترة من الإنتقادات العونية القاسية للمملكة. لكنّ أيّ تغيير للنهج الذي ساد في عهد الملك عبد الله، إزاء ملف الرئاسة في لبنان، لا يبدو متوقعاً. وكانت الأشهر الأخيرة شهدت نموّاً في علاقات السعودية مع مسيحيي 14 آذار، ولاسيما الدكتور سمير جعجع. وترجم ذلك تمسُّك «المستقبل» بترشيحه للرئاسة.

ولن تذهب السعودية إلى صفقة رئاسية مع عون لأسباب عدة:

- لا تتوقع السعودية إنتخابات رئاسية في المدى المنظور، كما أنها ليست في وارد تقديم التضحيات من أجل تحقيق هذا الهدف.

- السعودية مقتنعة بأنّ عون لن يكون رئيساً وفاقياً، أيْ إنه لن يخرج من تحت جناح «حزب الله».

- إنّ المغامرة بالتخلّي عن «القوات» وسائر مسيحيي 14 آذار لها تردُّدات يصعب ترميمها.

وسيكون على عون أن يتوجّه إلى حلفائه، قبل خصومه، لإقناعهم بإجراء الإنتخابات أولاً وإعتماده مرشحاً جدّياً لا مجرد إسمٍ لـ»الحرق» ثانياً. ولكنّ ثمة مَن يقول بإستحالة نجاح عون في إقناع الحلفاء. ولذلك، فالخصوم يفضلون عدم «تسويد وجوههم» بقول كلمة «لا» مجانية له.

وحتى الآن، يبقى الإتفاق المسيحي- المسيحي على مرشح توافقي هو الكفيل بفرض إجراء الإنتخابات. ولكنّ إصرار عون على أنه المؤهل الوحيد للرئاسة يعطّل الإتفاق. ويبدو أنّ عون وجعجع يتحاوران اليوم كما حاورا عند إعلانهما التوافق على قانون «اللقاء الأورثوذكسي»، أي للمزايدة وكسب الوقت وإيهام المسيحيين بأنّ «المشكلة ليست عندنا». والجميع ينتظر إنتقالهما من المرحلة التمهيدية إلى مرحلة أعلى. ولكن يبدو الإنتظار طويلاً.

وحتى ذلك الوقت، لا عزاءَ رئاسياً لعون لا في السعودية ولا في مكان آخر!