شادي المولوي في مخيّم عين الحلوة...

غير موجود في المخيّم...

متوارٍ داخل المخيّم...

خرج وأصبح خارج المخيّم...

وغداً قد يُقال بأنّه ما زال في المخيّم...

جملة من الروايات عن شادي المولوي، أحد أبرز الإرهابيين المطلوبين بالاعتداء على الجيش اللبناني والقيام بتفجيرات إرهابية، وإرسال إرهابيين إلى أكثر من منطقة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار وبث الفتنة...

لكن ليس المهم إسم شادي المولوي أو غيره من الأسماء التي برزت في مراحل سابقة، وتم التركيز عليها في الآونة الأخير، أو التي ستبرز لاحقاً، لكن الأهم من ذلك أنّ المخيّم هو أكبر من أسماء أشخاص، ولا يجب أنْ يكون أسيراً لأي حالة من الحالات أو ظرف من الظروف، فمصلحة أبناء المخيّم المكتظ بأكثر من 100 ألف فلسطيني، فضلاً عن الفلسطينيين النازحين من سوريا، ليست بحاجة إلى قضايا وملفات جديدة...

تحوّلت قضية شادي المولوي إلى قضية "إبريق الزيت"، فشغلت الأطراف اللبنانية والفلسطينية على مختلف المستويات الرسمية والروحية والأمنية والفصائلية والحزبية والشعبية، فضلاً عن وسائل الإعلام على مختلف مشاربها محلياً وعربياً ودولياً، لمعرفة حقيقة الأمر، حيث كانت تنتشر الأخبار المتعلّقة به، مثل "النار بالهشيم" دون أنْ يتم التأكد من حقيقة الخبر، سواء لجهة الدخول، أو الإقامة، أو حتى الخروج...

الرواية الآن أنّ شادي المولوي أصبح خارج مخيّم عين الحلوة، وإلى أين؟!، إلى عرسال، ما يطرح جملة من التساؤلات حول ظروف انتقاله من طرابلس، حيث كان محاصراً، والإعلان عن وصوله إلى مخيّم عين الحلوة، ثم وصوله إلى عرسال...

هذا يعني أنّ شادي المولوي له وضعية خاصة، وهو ما يطرح جملة من علامات الاستفهام حول كيف أنّ المطلوب بعد أنْ أوقف من قِبل الأمن العام اللبناني في طرابلس (14 أيار 2012) وحول على القضاء المختص، قبل أن يتحوّل إلى بطل وأُخرِجَ بمواكب رسمية وجرى تأمين الحصانة والغطاء له...

وبعد التأكد من ضلوعه بالاعتداء على الجيش ومخطّطات إرهابية فجأة قُذِفَ بالكرة، وأُعلِنَ عن أنّه في مخيّم عين الحلوة، وبعد اشتداد المطالبة بوجوده في المخيّم أُعلِنَ أنّه أصبح في منطقة عرسال...

هذا يطرح أيضاً جملة من التساؤلات، كيف بإمكان شخص مطلوب بهذا المستوى التنقُّل إنْ لم يكن مطمئناً؟!، وماذا عن دور السيارات الداكنة المزوّدة بحصانات، سواء أكانت رسمية أو نيابية أو حزبية أو أمنية أو لها وضع خاص؟، حيث عندما يتم التدقيق بها تقوم القيامة ولا يُعرف ماذا تنقل سواء من المطلوبين أو من غير المرغوب بهم بالدخول إلى مختلف المناطق على الساحة اللبنانية، بما في ذلك المخيّمات...

تُطرح جملة من التساؤلات حول دوافع الحديث بين الحين والآخر عن تسليط الضوء على المخيّمات الفلسطينية، وتحديداً مخيّم عين الحلوة، وهو ما بات يُخشى أنْ يكون استنزافاً للجيش اللبناني، وتحويل الأنظار عن ملفات وقضايا أخرى على الساحة اللبنانية، علماً بأنّ القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية، تؤكد أنّ العلاقات بينها وبين الجيش اللبناني بقيادة العماد جان قهوجي، في أفضل مراحل التعاطي الصادق، وهو ما يجب التأسيس عليه، لأنّ الساحة اللبنانية، بما فيها المخيّمات في مركب واحد، إذا ما تضرّر تكون عواقبه وخيمة على الجميع.

فقد بات من الواضح أنّ ثمة إجماعاً لبنانياً – فلسطينياً على أنّ صفحة وجود شادي المولوي في مخيّم عين الحلوة قد طويت دون الغوص في تفاصيل ودوافع الحديث عن ذلك وعن الإجابة عن التساؤلات، إذا ما كان قد دخل إلى المخيّم أو لم يدخل؟!..

وإذا دخل كما اقتنع بعض القوى الفلسطينية التي كانت تقول عكس ذلك، فتُطرح التساؤلات كيف ومتى وما هي الطريقة التي استطاع الدخول عبرها؟، علماً بأنّ هناك إجراءات أمنية للجيش اللبناني في محيط المخيّم - أي إنّ هناك طرقاً أخرى يمكن للإرهابيين والمطلوبين الدخول والخروج عبرها من وإلى المخيّم.

وإذا ما دخل، فمَنْ هو الذي شاهد دخوله أو شاهده في المخيّم، ومَنْ الذي شاهده قبل ولحظة الخروج، حيث يصبح ذلك بحكم المؤكد؟.

الأهم لماذا دخل المولوي مخيّم عين الحلوة بالذات دون أيٍّ من الأماكن الأخرى هي أكثر أماناً وتحظى بـ "واقع خاص"؟.

الأهم في الموضوع ليس الأسماء، بل أنّه ثبت بالملموس لدى الجميع أنّ الحل هو سياسي وليس أمنياً، وأنّ مخيّم عين الحلوة هو جزء من "الموزاييك" السياسي المتواجد على الساحة اللبنانية، يتأثّر ويؤثّر بواقعها لجملة من الأسباب والدوافع المتعدّدة.

وهذا يحتّم أهمية مواصلة المساعي والجهود لترسيخ العلاقات اللبنانية – الفلسطينية التي نُسِجَتْ في السنوات الأخيرة، والتي جنّبت المخيّم والجوار والساحة اللبنانية العديدة من المآزق التي مرّت بها، في ظل تنامي الخلافات الداخلية اللبنانية، حيث أثبت الفلسطينيون أنّهم ليسوا طرفاً في أي صراع على الساحة اللبنانية، بل إنّهم عامل استقرار وتهدئة، وأيضاً المساهمة في حل بعض القضايا الداخلية اللبنانية، وذلك بشهادة القوى اللبنانية على مختلف مراكزها.

وانطلاقاً من ذلك، وللاستفادة من التجارب، فقد بات من المُلح أنْ يتم التعاطي مع الملفات بتراكمها، وليس بالمفرّق أي إنّه ليس عند كل حادثة أو قضية يتم التعاطي معها بعينها، دون أنْ يتم استعراض شريط المحطات على مر السنوات السابقة، التي ثبت فيها أنّ المخيّم لن يكون بؤرةً إرهابية، ولن يكون ملاذاً للمطلوبين، أو عامل توتير على الساحة اللبنانية.

التنسيق اللبناني - الفلسطيني

وهذا يستوجب التعاطي بروح المسؤولية المشتركة لبنانياً وفلسطينياً، وإقلاع البعض عن فكرة استخدام الورقة الفلسطينية رصيداً في التجاذبات الداخلية اللبنانية، لأنّ الفلسطينيين قضيتهم الأولوية هي مواجهة العدو الإسرائيلي، ولا يوجد مشروع لا سياسي ولا أمني ولا عسكري لهم على الساحة اللبنانية، لذلك يشعرون بالخطر المُحدِق بقضيتهم في ظل التشرذم والتجاذب على الساحة اللبنانية، كما الساحات العربية، دون الغوص في أتون هذه التجاذبات.

وطالما أنّ الغطاء السياسي الفلسطيني مرفوع عن أي مُخلٍّ بالأمن، فمن الواجب إذاً أنْ يتم التفريق بين ملفات المطلوبين داخل المخيّم وحلّها، حيث يتوزّع المطلوبون في المخيّم وفق الآتي:

- الغالبية هم مَنْ صدرت بحقهم أحكام أو بلاغات بحث وتحرٍ أو مذكّرات توقيف جرّاء جنح يمكن معالجتها سريعاً.

- قضايا ارتُكِبَتْ بدوافع سياسية.

- قضايا أمنية لا يمكن حلّها بسهولة.

والحل يتم عبر:

- محاكمات عادلة.

- أو مواصلة حل بعض القضايا الصغيرة الناتجة عن وشايات أو بلاغات صدرت جرّاءها أحكام جنحية.

- أو صدور عفو عام عن ملفات سابقة على غرار ما جرى في قضية رئيس "حزب القوّات اللبنانية" سمير جعجع وموقوفي الضنية ومجدل عنجر (تموز 2005).

لذلك، من الضروري عدم التعاطي مع الملف الفلسطيني كجسر عبور - أي أنْ يُطلب من الفلسطيني المساعدة في حل ملفات عالقة - وعندما تبرز بعض القضايا يُشار إلى مَنْ يقوم بهذا الحل بأنّه مطلوب، وهو ما يستوجب التعاطي كجسر تلاقٍ، من خلال العمل المشترك على طَيْ صفحات الماضي الأليم وظروفه الصعبة والتأسيس لمرحلة هامة، وذلك ليس صعباً، ويمكن أنْ ينعكس إيجاباً بترييح الأجواء الفلسطينية وانعكاس ذلك على الساحة اللبنانية.

ومردُّ ذلك إلى أنّ ما لا يتجرّأ البعض على البوح به هو، أنّ غالبية المطلوبين الذين يتم الحديث عنهم هم من أبناء مخيّم عين الحلوة – أي من مكوّنات الشعب الفلسطيني - وهو ما يعني أنّ لهم ظروفهم العشائرية التي تُصعِّب الحل الأمني، نظراً للتداخلات المتعدِّدة، والتي تتنافى حينها الانتماءات الحزبية والسياسية، بل تصبح في الكثير منها عشائرية، وهذا ما يجب التنبّه إليه جدياً وأيضاً القوى الفلسطينية على مختلف توجّهاتها وانتماءاتها الوطنية والإسلامية ليست مع الحسم العسكري، لعدم إراقة أي نقطة دماء تؤدي إلى خلق المزيد من الإشكالات والتوتير، وما يتبع ذلك من تهديد للأمن والاستقرار في المخيّم وإلى ما يتعدّاه، فضلاً عن أنّه مع أي حادث أمني تضطر العائلات المقيمة في المخيّم للنزوح إلى مناطق أكثر أماناً خارجه، وهو ما ليس متوافر حالياً، بل ليس مطلوباً حدوثه.

وخير مثال على ذلك، عندما أُعلِنَ عن أنّ عبد الرحمن محمد عوض أصبح أميراً لتنظيم "فتح الإسلام" خلفاً لشاكر العبسي (7 تشرين الثاني 2008)، وطُلِبَ تسليمه، يومها لم يقع صدام فلسطيني – فلسطيني، أو حتى مع الجيش، إلى أنْ استُدرِجَ عوض إلى كمين في شتورا – البقاع، وقُتِلَ مع مرافقه أبو بكر مبارك (14 آب 2010).

هذا ما يعزّز أهمية التعاطي بدقة متناهية مع أي حدث أو ملف، نظراً لترابط حلقاته، والذي قد يجد بين المتضرّرين وحاملي الأجندات الخارجية مَنْ يصطاد بـ "الماء العكر" ويؤجِّج الخلافات.

وهنا يأتي أهمية تعزيز دور "القوة الأمنية الفلسطينية" المشتركة في مخيم عين الحلوة بقيادة العميد خالد الشايب، بمشاركة مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية، والتي انتشرت في تموز 2014، وأعطى انتشارها ثماراً بضبط الأمن والاستقرار في المخيم، والذي يجب أن يكون مقدمة لتعميمه على باقي المخيمات، خاصة بعد حل العراقيل والعقد المالية واللوجستية، التي برزت بعد نشرها.

وقد سُجِّلَ اتخاذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشدّدة في محيط مخيّم عين الحلوة، حيث أُخضِعَ الداخلون والخارجون إلى ومن المخيّم للتفتيش الدقيق في السيارات وعلى الأقدام بما في ذلك الأوراق الثبوتية، حيث عُلِمَ بأنّ مردُّ ذلك إلى مواجهات الجيش اللبناني مع الإرهابيين في جرود عرسال، وخشية دخول مطلوبين أو نقل مخطوفين من تلك المنطقة إلى المخيّم.

الأحمد على خط المعالجة

وقد تركت زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والمشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد إلى لبنان الأسبوع الماضي ارتياحاً، وأعطت نتائج إيجابية على المستويين اللبناني والفلسطيني.

وتكمن أهمية هذه الزيارة في أنّها أتت في وقت كان يتحدّث فيه البعض عن أنّ الرئيس محمود عباس سيوفد عضو لجنة مركزية – غير الأحمد – لحل قضايا "فتحاوية"، لكن كانت الصدمة لدى مَنْ روّج لذلك، بأنّ الأحمد شخصياً هو مَنْ وصل لمتابعة المهمة الموكلة إليه منذ آذار 2010.

وتوزّعت مهمة الأحمد بين فلسطينية – فلسطينية، ولبنانية – فلسطينية، وأعطت ثمارها المرجوة، حيث استحوذت في الجزء الأكبر منها قضية شادي المولوي.

وشملت جولة الأحمد مسؤولين رسميين وسياسيين وأمنيين لبنانيين، شاركه فيها سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور وممثلون عن الفصائل والقوى الفلسطينية، أي القيادة السياسية الموحّدة المصغّرة التي تضم ممثّلين عن "منظّمة التحرير الفلسطينية" و"تحالف القوى الفلسطينية" بما في ذلك حركة "حماس"، هذا فضلاً عن أنّه في زيارات أخرى شارك ممثلون عن أكثر من فصيل فلسطيني.

وشملت جولة الأحمد رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ومدير مخابرات الجيش اللبناني العميد الركن إدمون فاضل.

كما كانت زيارة خاصة إلى مدينة صيدا، التقى خلال الأحمد والوفد المرافق كلاً من: النائب بهية الحريري، أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد ورئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري.

وتركّزت محادثات الأحمد خلال اللقاءات على ضرورة مواصلة التنسيق في العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، حيث شدّد على أهمية مواصلة المساعي الجادة والمسؤولة والمعالجة الهادئة لقضية المطلوبين في المخيّمات، بعدما ذكر أنّه أُبلِغَ بلائحة لمطلوبين لجأوا إلى مخيّم عين الحلوة، فتبيّن أنّ إسم المولوي هو الذي أُبلِغَ به الأحمد والوفد الفلسطيني.

وأبدى الأحمد الحرص على أنّ "المخيّمات ستكون عنصراً أساسياً في ترسيخ السلم الأهلي في لبنان، ولن تُزج في الشأن الداخلي اللبناني، علماً بأنّ الهم اللبناني والهم الفلسطيني في لبنان همٌ موحّد".

وأكد أنّه "مهما كانت الخلافات على الساحة الفلسطينية، فهناك إجماع فلسطيني في لبنان لترك هذه الخلافات خارجه، وإن تبينت الاتجاهات للفصائل والقوى الفلسطينية لكننا موحدون على حماية واستقرار المخيّم الفلسطيني والالتزام الفلسطيني الكامل والراسخ بسيادة الدولة اللبنانية وسلطتها على الأراضي اللبناني، بما فيها المخيّمات الفلسطينية".

وألمح إلى أنّ الخروقات والإشكالات الأمنية التي تحصل في المخيّمات، شبيهة بما يحصل في مناطق أخرى من الساحة اللبنانية، لذا يجب ألا يُعطى أي خرق أمني في مخيّم عين الحلوة، أو يُحمَّل ما تحمله الخروقات الأمنية المماثلة في مناطق أخرى، علماً بأنّ موضوع مخيّم عين الحلوة دقيق وحساس جداً".

وأشار الأحمد إلى أنّ التفهّم المشترك اللبناني – الفلسطيني للمعالجة الهادئة للواقع الفلسطيني واللبناني المشترك وأهمية المعالجة الهادئة لأي قضية بالتفاهم بين جميع القوى الأمنية الوطنية والإسلامية داخل المخيّم، يجب أنْ تكون بالتنسيق والتعاون الدائم مع الجهات الرسمية والقوى السياسية اللبنانية، لأنّ في ذلك مصلحة مشتركة للجميع وهو ما يؤكد أهمية التعاون المشترك".

كما عقد الأحمد سلسلة من اللقاءات مع الداخلية الفتحاوية ومع القيادة السياسية الموحّدة المصغّرة للفصائل الفلسطينية واللجنة القيادية الفلسطينية العليا، حيث تم توضيح العديد من النقاط، خاصة التي حاول البعض استغلالها بعدم تمثيل "القوى الإسلامية" الفلسطينية و"أنصار الله" في الجولات الرسمية للأحمد على القوى السياسية والأمنية، حيث تم التأكيد على أنّ أي وفد فلسطيني يمثّل جميع الفصائل والقوى المنضوية التي تتألّف منها اللجنة القيادية السياسية العليا للفصائل الفلسطينية في لبنان.