ما بين جنيف الأول والثاني ومؤتمر الحوار التمهيدي في العاصمة الروسية موسكو اليوم، تبدلت الكثير من الأمور على صعيد المشهد السوري، والعالم لم يعد مهتماً كثيراً بهذه الأزمة، فلا وسائل إعلام تغطي الحدث ولا ممثلين عن الدول الفاعلة فيه يشاركون، لا بل حتى الولايات المتحدة الأميركية، ومعها الدول الأوروبية والخليجية، الراعية الأولى لقوى المعارضة السورية، تركت لروسيا، الداعم الأساسي للنظام السوري جمع قوى المعارضة أولاً، من أجل الإنطلاق في لقاء تشاوري مع ممثلين عن الحكومة السورية.

ما يحصل، يعكس بشكل جدي الإتجاه السياسي الذي أخذته القضية السورية، بعد بروز نجم الجماعات الإرهابية بشكل لافت، حيث لم يعد إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ضمن أولويات القوى الدولية والإقليمية، وبات الإهتمام ينصبّ على محاربة تلك الجماعات، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية التي حصلت في أوروبا واستراليا، في ظل التهديدات بحصول أكثر من ذلك في المستقبل، وهو ما وجّه البوصلة لإهتمامات وسائل الإعلام العالمية، التي بدأت تهتم بالدول التي تتهمها برعاية الإرهاب، بدل نشر التقارير عن ضرورة إسقاط النظام السوري.

في هذا السياق، يؤكد عضو المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا، في حديث لـ"النشرة"، أن الإهتمام العالمي تراجع كثيراً عما كان عليه قبل إنعقاد مؤتمر جنيف الثاني، بالرغم من التواصل غير المعلن القائم، من خلال دعم الحكومة الإنتقالية وتدريب القوات العسكرية، لكنه يشير إلى أن هذه الجهود لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وهذا في الأصل مصدر العتب على المجتمع الدولي.

ويرى سيدا أنّ الجهد الدولي يركز، في هذه المرحلة، على محاربة الإرهاب، ويعتبر أنّ المخطط الذي سعى النظام السوري للوصول إليه، منذ بداية الأحداث، نجح في تنفيذه، ويشدد على أن المجتمع الدولي يعالج النتيجة من دون البحث عن الأسباب.

من جانبه، يتحدث أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبد الله، في حديث لـ"النشرة"، عن رؤية مختلفة، فيوافق على أن الظروف تبدلت، لكنه يعتبر أن في جنيف كان هناك محاولة لتركيب نظام وصاية على سوريا يؤثر على كل محور المقاومة، والغرب كان في ذلك الوقت يغطي الإرهاب تحت تسميات متعددة منها "المعارضة المعتدلة"، لكن اليوم لم يعد أحد يستطيع القيام بذلك، لا سيما بعد أن وصلت الإرتدادات إلى أوروبا نفسها، وإلى بعض الدول التي كانت تدعم المشروع المعادي لسوريا.

وفي ظل هذه التحولات، يؤكد أبو عبدالله أن الأولويات تحولت، وبات الإرهاب على رأس القائمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكنه يعتبر أنها نجحت أيضاً في تحقيق بعض أهدافها في سوريا من خلال هذه الحرب.

أما بالنسبة إلى المنتظر من ​مؤتمر موسكو​ الحالي، يؤكد سيدا أن هذا المشروع لم يكن موفقاً منذ البداية، خصوصاً أن روسيا طرفٌ غير محايد في الأزمة، ويعتبر أنها كانت قادرة على لعب دور أفضل، من خلال ممارسة بعض الضغوط على النظام كي ينفذ بعض المطالب قبل الدعوة إلى الحوار، وبذلك تكون قد أظهرت حسن نية على الأقل.

ويرى سيدا أن المجتمع الدولي لم يصل حتى الآن إلى المرحلة التي يتخذ فيها قراراً جدياً بنزع الشرعية عن الأسد، وبالتالي ليس هناك من رهان كبير على حل المشكلة.

في الجهة المقابلة، يعتبر أبو عبدالله أن المشروع فشل، ويؤكد أن "موسكو واحد" هو بداية الإعتراف بانتصار الدولة السورية، خصوصاً أنه يعقد برعاية روسية وموافقة أميركية، لكنه يلفت إلى أنه ليس أكثر من مؤتمر تشاوري، فهو البداية فقط لا أكثر، ولا أحد يستطيع أن يحدد المستقبل.

ويوضح أن الإرادة الدولية اليوم تتمثل من خلال السعي إلى تركيب معارضة مقبولة، تستطيع أن تشكل شريكا وطنياً في المستقبل.

في المحصلة، لا جديد فعلي على صعيد الأزمة السورية، من الناحية السياسية، باستثناء أن الرأي العام العالمي لم يعد يرَ إلا محاربة الإرهاب أولوية، والمرحلة المقبلة ستحمل معها الكثير من التطورات التي ستصب في الإتجاه نفسه، الأمر الذي سيضع قوى المعارضة من جديد أمام معضلة عدم تمثيله القوي على أرض الواقع، لتكون قادرة على الحوار أو التفاوض من موقع جيد.