تُوفِّيَ الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، عن عمر يناهز التسعين عاماً، وإنتقلت السلطة في المملكة العربيّة السعودية بشكل سلس إلى الملك سلمان بن عبد العزيز (79 عاماً) مع توزيع مُحدّد للمناصب التنفيذيّة الحسّاسة، لتسقط كل الإفتراضات والتكهّنات السابقة بحصول صراع داخلي على السلطة. والسؤال الذي طغى سريعاً على ما عداه حالياً هو: ما الذي سيتغيّر في سياسة السعودية إزاء القضايا الإقليمية والدوليّة، في ظلّ قيادة الملك السابع منذ تأسيسها؟

بحسب أغلبيّة المُحلّلين السياسيّين الإقليميّين والدَوليّين، لا تغيير في الخطوط العريضة لسياسة الرياض الخارجية، إنّما بعض التغييرات في أساليب التعاطي مع المشاكل الإقليمية والدولية، وفي أساليب مقاربة الملفّات الحامية. والأسباب متعدّدة وأبرزها:

أوّلاً: الملك سلمان وخلال شغله منصب وزير الدفاع السعودي (إعتباراً من تشرين الثاني 2011)، ووليّ العهد أيضاً (إعتباراً من حزيران 2012)، عمل على تعزيز قدرات الجيش السعودي القتاليّة وتحديث أسلحته، وسعى لتشكيل جيش خليجي مشترك، لأنّه يعتبر أنّ هذا الأمر يوجد ميدانياً توازناً عسكرياً إستراتيجياً مع القوى الإقليميّة، ويسمح بالوقوف بوجه أيّ قوة ترغب بتهديد أمن الخليج، أكانت إيران أو إسرائيل أم غيرهما. ومن المتوقّع أن تتواصل هذه السياسة في ظلّ حكم الملك سلمان، خاصة أنّه لم يتردّد في تعيين إبنه الأمير محمد وزيراً للدفاع، لضمان السيطرة على البلاد من جهة، ولمواصلة الإشراف على السياسة العسكرية للسعوديّة.

ثانياً: يتمتّع الملك سلمان بشخصيّة حازمة، وبطباع متشدّدة في العمل الإداري والتنظيمي، وهو من الداعين إلى الحفاظ على الإستقرار الداخلي بأيّ ثمن، ما يعني أنّه لن يكون هناك أيّ تراخي بالنسبة إلى التهديدات التي تلاحق السعودية، أكان من داخلها أو من الحدود اليمنيّة، لكن من دون توقّع إتخاذ خطوات إرتجاليّة أو متهورة تُغيّر في الواقع القائم.

ثالثاً: الملك سلمان كان دائماً أحد الرجال الأقوياء في السعودية، وهو كان له دور بارز، ولوّ خلف الأضواء، خلال فترة حكم شقيقه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، خاصة عند مرض هذا الأخير. ولطالما كان من الداعين لعدم تراجع الدور الإقليمي السعودي، ولعدم السماح بتمدّد نفوذ إيران بالقوة. وهذه السياسة ستستمرّ في ظلّ حكمه، وقد كانت محور بحث مهمّ في أوّل لقاء رفيع للملك السعودي الجديد مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث حذّر الجانب السعودي من أيّ تراخ أميركي وغربي إزاء الملفّ النووي الإيراني، علماً أنّ المحادثات تناولت أيضاً مواضيع النفط والعراق واليمن وسوريا. حتى أنّ وليّ العهد الأمير مقرن، نائب رئيس الوزراء، والذي كان قد شغل في السنوات الماضية منصب قيادة جهاز الإستخبارات السعودي، مشهور بارتيابه من مخطّطات إيران الإقليميّة. وفي إحدى وثائق "ويكيليكس" المُسرّبة، نُقل عنه قلقه "من تحوّل الهلال الشيعي إلى بدر شيعي" في دلالة على خشيته من توسّع السيطرة الميدانية لطهران في المنطقة العربيّة عبر منظّمات مموّلة ومسلّحة منها وموالية كلياً لها بطبيعة الحال.

رابعاً: صحيح أنّ للملك سلمان إهتماماً بالإصلاحات السياسيّة والإجتماعيّة والثقافيّة، لكن الأصحّ أنّه غير مستعدّ للخروج عن تقاليد المجتمع السعودي، علماً أنّه معروف بقربه من المؤسّسة الدينيّة في السعودية، ما يعني أنّ لا تغييرات كبرى في المدى المنظور داخل المجتمع السعودي على صعيد الحريّات الشخصيّة والعامة، من دون إستبعاد القيام ببعض التحوّلات الطفيفة إرضاء لبعض الشرائح، خاصة وأنّ الملك الجديد مُستمع جيّد للجيل الشاب، ويصفه البعض بصاحب أفكار ليبراليّة على الرغم من كونه من "الحرس القديم" في المملكة.

خامساً: من خلال تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، تمّ إخراج ولاية العهد-للمرّة الأولى، عن الأولاد المباشرين للملك عبد العزيز الراحل، وإيصالها إلى جيل الأحفاد. وقد عُيّن الأمير محمد، نجل وليّ العهد السابق الأمير نايف، وزيراً للداخلية ونائباً ثانياً لرئيس الوزراء. وكل ذلك، يدلّ على تماسك الحكم في الرياض بعيداً عن المنافسة الداخليّة، والثقة في توزيع مقاليد السلطة، والأهم إطلاق يد الأمير محمد في سياسة مواجهة الإرهاب التي كان قد بدأها منذ فترة.

سادساً: قرّر الملك سلمان إبقاء أغلبيّة الوزراء في مناصبهم، بمن فيهم وزراء الخارجية والنفط والمالية، الأمر الذي تلقّفه أكثر من طرف إقليمي ودولي بشكل جيّد، على أمل المحافظة على إستقرار التعامل السعودي معهم. ولعلّ توجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السريع إلى الرياض للتعزية، يهدف فعلياً إلى إبقاء المساعدات التي تتلقّاها مصر من السعودية ومن دولة الإمارات العربيّة المتحدة، والتي تُعتبر ضرورية جداً لصمود القاهرة إقتصادياً. وكان لافتاً قيام الرئيس الأميركي باراك أوباما بتقصير زيارته إلى الهند، وبالتوجه سريعاً إلى الرياض بحجة تقديم واجب العزاء، علماً أنّ الهدف الفعلي يتمثّل في بحث سبل تحسين العلاقات الأميركية-السعودية التي كانت تراجعت إلى مستويات متدنّية في السنوات القليلة الماضية، نتيجة التباين في الرأي بالنسبة إلى ملفّات عدّة، منها مثلاً: التدخّل الأميركي العسكري في العراق، وعدم مواكبة واشنطن جدياً مطلب الرياض بإقالة الرئيس السوري بشار الأسد، ورفض السعودية تقديم تنازلات أميركية وغربيّة في الملفّ النووي الإيراني، إلخ.

في الختام، لا شكّ أنّ السعودية تجاوزت بنجاح إختبار إنتقال السلطة، والأنظار تتجه صوبها من أكثر من جهة، لمعرفة الطرق والأساليب التي ستنتهجها مستقبلاً في تعاطيها مع الملفّات الشائكة المتعدّدة في المنطقة، مع أرجحيّة إستمرار الخطوط العريضة لسياسة الملك الراحل عبد الله، مع بعض التغييرات الشكليّة في الأسلوب لا غير.