توزّع محور المقاومة الأدوار في التحضير للردّ على عدوان القنيطرة الذي أدّى إلى استشهاد 6 مقاومين من حزب الله والجنرال الإيراني محمد عليّ الله دادي. التزم حزب الله الصمت للتحضير للعمل الميداني المتقن والنوعي والسريع. تفقد وزيرالدفاع السوري فهد الفريج الميدان ليوجه رسالة إلى العدو «الاسرائيلي» أنّ جبهة الجولان تغيّر دورها، وأدارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر مسؤوليها السياسيين والعسكريين والديبلوماسيين المعركة السياسية والنفسية والإعلامية المتعددة الاتجاهات والمتفاوتة السقوف الى الحدّ الذي سبّب تعقيدات للعدو «الإسرائيلي».

نفذ حزب الله العملية النوعية في مزارع شبعا المحتلة بدقة وحرفية وبأعصاب باردة، وفي وضح النهار. لقن العدو ضربة عنيفة وحادة، باستهدافه هدفاً عسكرياً «إسرائيلياً»، هو عبارة عن سرية من وحدات النخبة، ما أدّى إلى مقتل قائدها مع مجموعة كبيرة من عناصرها وجرح آخرين.

أما لماذا ردّ حزب الله من شبعا وفيها ولم يضرب «إسرائيل» من الجولان، فإنّ الردّ وفق المطلعين هو ملك محور المقاومة، وردّ باسم هذا المحور، فالحزب اختار مزارع شبعا وليس الجولان للتأكيد على وحدة الجبهة المقاومة، ورداً على سعي «إسرائيل» إلى الفصل والعزل بين جبهة المقاومة، بعدما خيّل لها أنّ توزيع الأدوار الذي لعبته الجبهة، قد يكون تشتيتاً لها وتضارباً في المواقف.

في حين تعتبر مصادر عسكرية مطلعة «أنه قد تكون وراء ذلك أسباب سياسية، لوجستية، عسكرية صرف، لأنّ ما بين مواقع حزب الله والجيش السوري هناك «جبهة النصرة» التي تشكل حزاماً أمنياً يجعل العمليات صعبة وأمراً معقداً، لذلك ضربت المقاومة في مزارع شبعا التي هي أرض محتلة ومنطقة حدودية لبنانية – سورية، وتفترض المصادر العسكرية أنه فيما لو تطوّرت المسائل إلى المزيد من المواجهات قد تفتح جبهة الجولان لاحقاً.

استُهدف حزب الله في أرض سورية، فردّ بطريقة مشروعة من الناحية القانونية من أرض لبنانية محتلة، وفي ردّه ضيّق الخناق على العدو، فلو كان الردّ من الأراضي السورية، لكانت «إسرائيل» اعتبرت أنّ سورية تقوم بخرق اتفاق فصل القوات، بمساعدة الجمهورية الإسلامية. لم تسمح المقاومة اللبنانية لـ«إسرائيل» ان تستغلّ الحدث للإيحاء للأميركيين أنّ إيران قد تقدم على ضرب «إسرائيل»، في حين تتجه واشنطن إلى توقيع اتفاق مع طهران يعتبره «الاسرائيلي» سيئاً، ويعتبر انّ الجمهورية الاسلامية اليوم قوية، وبتوقيع الاتفاق ستصبح أكثر قوة.

أثبتت المقاومة أنها تملك القدرة في كلّ الأمكنة والأوقات. فكانت العملية بالغة الأهمية من ناحية التحضير والتنفيذ، ولذلك فالعملية تعتبر عملاً إعجازياً، هذا فضلاً عن أنها نفذت على أرض صعبة مغطاة بكلّ أجهزة الرصد والمراقبة من قبل العدو، وببنية عسكرية عالية المستوى من الحذر والتأهب، فنزلت عليها كصاروخ «زلزال» ميدانياً، استراتيجياً ونفسياً، لتستعيد «إسرائيل» رعب صواريخ المقاومة في حرب تموز.

كان «الاسرائيلي» يظن أنه في ظلّ الأجواء التي تعانيها دول المنطقة وفي مقدمتها سورية، فإنّ العدوان سيمرّ من دون ردّ. لكن المقاومة أوقعت العدو في كمين نفسي محكم، بإعلانها أنّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيتحدث يوم الجمعة غداً عن الغارة «الاسرائيلية» على الجولان، فتوقعت «إسرائيل» أنّ الردّ إنْ حصل فلن يكون قبل كلام السيد نصرالله، هذا فضلاً عن سقوط أربعة صواريخ أول من أمس على دفعتين ومكانين منفصلين في منطقة الجولان، جعل «إسرائيل» تتوهّم أنّ الردّ حصل وانتهى الكابوس الذي تعيشه.

وعلى رغم ذلك يدرك «الإسرائيلي» أنّ العملية تأتي في سياق تكريس معادلة الردع للعدو «الاسرائيلي»، لأنه هو من بادر إلى خرق قواعد الاشتباك، متجاوزاً اتفاقية عام 1974 التي أقامت منطقة فضّ اشتباك في الجولان ومنعت القيام بعمليات عسكرية.

لكن هل هذا التصعيد في هذه الحدود ستعقبه حركة دولية تهدف إلى احتواء الموقف وتكريس قواعد الاشتباك؟ وبانتظار ان تظهر تباعاً نتائج العملية على «اسرائيل»، يعيش هذا الكيان انقساماً داخلياً، فرئيس وزراء العدو «الاسرائيلي» بنيامنين نتنياهو هو في وضع صعب وحرج، ووفق خبراء استراتيجيين، أنه إذا اتخذ قراراً بالردّ فإنّ حزب الله، سيصدر البيان الرقم 2 و3 و4… بحيث يحين موعد الانتخابات فيما وابل الصواريخ يتساقط على حيفا، وإنْ أحجم عن الردّ فإنه سيجلب الإحراج إلى الكيان «الاسرائيلي» وسيصيبه في الصميم، هذا فضلاً عن الموقف الأميركي الذي يضغط باتجاه عدم التصعيد الذي سيزيد المشهد الإقليمي تعقيداً ويشوّش على مسار المفاوضات النووية الإيرانية الاميركية.

وتعتبر مصادر مطلعة «أن لا مصلحة لأيّ من الأطراف لحرب مفتوحة، وانّ الأميركي سيسير بثقله لضبط المواقف، وبدأ اتصالاته مع «الاسرائيليين» لضبط الموقف».

المقاومة تثأر وتنفذ عملية نوعية ضد العدو وتقتل 10 جنود

ثأرت المقاومة من العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة، فنفذت عملية نوعية ضد قافلة تابعة لجيش العدو «الإسرائيلي» على طريق بمحاذاة السياج الحدودي بعد قرية العباسية وتحديداً عند منعطف صعوداً باتجاه مزرعة بسطرا في شبعا المحتلة شرق ثكنة المجيدية.

وفيما أحصت المصادر عدد قتلى الجنود «الاسرائيليين» الى عشَرةٍ أو يَزيد، اكتفى جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بإعلان مصرع جنديين اثنين هما: قائد سرية في لواء غفعاتي الرائد يوحاي كلينغر والعريف نيني من شيتوليم، وجرح أكثر من 7 آخرين في العملية. وذكرت إذاعة الاحتلال «أن الجنود السبعة المصابين نقلوا إلى مستشفيي رمبام في حيفا وزيف في صفد شمال فلسطين للمعالجة». ووصفت الإذاعة «حالة اثنين منهم بأنها بين طفيفة ومتوسطة»، فيما وصفت حالة الآخرين بأنها «طفيفة».

وفيما قام جيش العدو بقصف أطراف المجيدية من جميع المواقع المطلة على الشريط الحدودي، كما قصف في شكل متفرق محيط منطقة مزارع شبعا، ذكرت القناة «الإسرائيلية» العاشرة «أن القافلة المستهدفة كانت عبارة عن موكب قيادي أنهى جولة له في المزارع». ونشرت وسائل إعلام العدو صوراً أولية لعملية مزارع شبعا التي أصيبت فيها 9 آليات عسكرية «إسرائيلية». ووفقاً لوسائل الإعلام «الإسرائيلية»، فـ»إن الآلية التي تظهر في القافلة هي حافلة مدنية»، وأضافت: «أن استخدامها من قبل جيش الاحتلال كان غرضه «التمويه وعدم الانكشاف لحزب الله».

وقد تبنت مجموعة شهداء القنيطرة في المقاومة عملية شبعا البطولية كرد أولي على اغتيال عدد من قادة المقاومة في القنيطرة بالجولان السوري قبل أيام.

وأعلن حزب الله في بيان له «أنه عند الساعة الـ 11:25 قامت مجموعة شهداء القنيطرة الأبرار في المقاومة باستهداف موكب عسكري للعدو في مزارع شبعا اللبنانية».

وقال بيان حزب الله «إنه تم استهداف الموكب «الإسرائيلي» المؤلف من عدد من الآليات ويضم ضباطاً وجنوداً صهاينة بالأسلحة الصاروخية المناسبة ما أدى إلى تدمير عدد منها ووقوع إصابات عدة في صفوف العدو وما النصر إلا من عند الله العزيز الجبار».

وأصيب عسكري من الكتيبة الاسبانية في الـ»يونيفيل» جراء تعرض جامع العباسية للقصف «الإسرائيلي»، ما لبث ان فارق الحياة. وأكد الناطق باسم الـ»يونيفيل» اندريا تننتي «أن اليونيفيل تبحث الآن في ملابسات الحادث». وكان رئيس بعثة الـ»يونيفيل» وقائدها العام اللواء لوتشيانو بورتولانو اجرى اتصالات بالاطراف للمساعدة على ضبط الوضع ومنع أي تصعيد إضافي. وعززت الـ»يونيفيل» من تواجدها على الأرض وكثفت دورياتها على كامل منطقة عملياتها، بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية.

ودان اللواء بورتولانو بشدة الخرق الخطير لقرار مجلس الأمن 1701، مشيراً إلى «أنه ما زال يجري اتصالات متواصلة مع الطرفين، وحثهما على الحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس».

وذكرت المعلومات «أن الجيش «الإسرائيلي»، طلب من قيادة الـ»يونيفيل»، التزام عناصرها مواقعهم».

وكانت القناة العاشرة «الإسرائيلية» سارعت الى القول «انه رغم خطورة العملية فإن الجيش «الإسرائيلي» لا يريد الانجرار الى حرب لبنان الثالثة». وفي أول تعليق على حادثة شبعا، أكد رئيس وزراء العدو «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، «أن الجيش «الإسرائيلي» مستعد للرد «بقوة» على اي جبهة»، مضيفاً: «أنصح كل من يحاول أن يتحدانا على الحدود الشمالية أن ينظر إلى ما حدث في قطاع غزة حيث تلقت حماس الصيف المنصرم أكبر ضربة وجهت لها منذ تأسيسها. جيش الدفاع «الإسرائيلي» مستعد للعمل بقوة على جميع الجبهات».

أما وزير خارجية العدو أفيغدور ليبرمان فرأى «أن على الجيش «الإسرائيلي» أن يقوم برد قاسٍ وليس نسبياً».

واعتبر الناطق باسم جيش العدو افيخاي ادرعي «أن حزب الله هو المسؤول عن الأحداث الخطيرة في منطقة الشمال. وفيما لفت إلى أنّ الجيش «الإسرائيلي» رد باتجاه عدة أهداف في جنوب لبنان، قال: «هذا ليس بالتحديد رد الجيش «الإسرائيلي» الأخير».

تزامناً، تكثفت الاجتماعات السياسية والعسكرية في كيان العدو، مواكبة للتطورات. وفي هذا الإطار، اجتمع رئيس الاركان في الجيش بني غنتس مع قادة المنطقة الشمالية في صفد لإجراء تقدير للوضع. ودعت هيئة الأركان «الإسرائيلية» المستوطنين إلى ممارسة حياتهم الاعتيادية مع اتخاذ تدابير الحيطة.

وأبلغت «إسرائيل» مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بأنها ستتخذ كل الإجراءات الضرورية «للدفاع عن نفسها». وقال سفير الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة رون بروسور إن كيانه «لن يقف مكتوف الأيدي بينما يستهدف حزب الله الإسرائيليين».

وفي ساعات بعد الظهر، شهدت المنطقة الممتدة من الناقورة وصولاً الى بوابة رامية تحليقاً مكثفاً للطائرات الحربية «الإسرائيلية» من نوع أف 16، مع تحرك لبعض السيارات العسكرية في المستعمرات الشمالية في ظل هدوء تام في القرى والبلدات المقابلة للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.