ما فتىء جماعة "14 آذار" وكثيرون من "تيار المستقبل" يتمسكون بشعاراتهم ومواقفهم من الأزمة السورية، ومن مشاركة حزب الله في القتال في سورية، وآخرهم كان الرد "النفيس" لوزير عدل لبنان أشرف ريفي على خطاب لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى أسبوع الشهيد جهاد عماد مغنية، فرأى أن "المعادلة الخشبية أسقطتها الحكومة"، معتبراً "استعادتها محاولة للتذاكي"، ومؤكداً أنه "لا يحمي المواطن والوطن إلا الجيش والقوى الأمنية الشرعية".

ورغم صحة تأكيده الأخير، إلا أنه قد يكون ضرورياً تذكيره بمسلسل الاعتداءات الصهيونية على لبنان منذ عام 1947 وليس 1948 فقط حتى ما بعد عام 2000، لعله يأخذ العبرة ويعتبر.. أمام ذلك قد يصبح السؤال ضرورياً: لماذا توجَّه حزب الله إلى الجولان؟ ولماذا قاتل في القصير والقلمون؟ ولماذا يرابض في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية؟

قبل التفاصيل، قد يكون ضرورياً إعلام وزير "عدل لبنان" وغيره ببعض الوقائع والحقائق ومنها:

- مؤتمر بكركي عام 1941، الذي شدد على ضرورة أن يكون لبنان على أحسن وئام مع جاره الشرقي.. ومن هذا المؤتمر ولد روح "الميثاق الوطني" غير المكتوب.

- الحكومة الاستقلالية الأولى التي ترجمت "الميثاق الوطني" بنص البيان الوزاري: "لبنان لن يكون ممراً أو مقراً للاستعمار" ضد أشقائه العرب، وخصوصاً سورية.

لا نريد أن نخوص بوثائق الطائف وما بعدها، فلوزير العدل وحلفائه ترجماتهم الخاصة التي لم يسبقهم إليها كبار المشرعين والحقوقيين.

لنتابع التذكير:

الثعلب الأميركي العجوز هنري كسينجر يؤكد في مطلع سبعينيات القرن الماضي (أي قبل 1975) أن "لبنان فائض جغرافي"، فكانت بعدها الحرب الأهلية القذرة عام 1975، التي عرض فيها المبعوث الأميركي "دين براون" على الرئيس الراحل سليمان فرنجية مطلع عام 1976 نقل المسيحيين من لبنان بالبواخر إلى أي مكان يريدونه في العالم.

ارييل شارون يؤكد في العام 1981 أن "لبنان خطأ تاريخي"، فكان الاجتياح الصهيوني للبلد الصغير في حزيران 1982.

في خمسينيات القرن الماضي، تؤكّد غولدا مائير؛ صديقة الملك الأردني عبدالله الأول، والتي قيل رغم "قباحتها" إن "علاقة حب" كانت تربط بين الطرفين، أن "فرقة موسيقية من الجيش الصهيوني تحتل لبنان".

نسوق هذه الأدلة، وهناك الكثير الكثير غيرها، وذلك ليس للرد لا على "وزير عدلنا"، ولا على أحد من حلفائه، إنما لنصل إلى لبّ الموضوع، وهو: لماذا ذهب حزب الله إلى الجولان؟

لقد أكدت الوقائع الميدانية في تطورات الأزمة السورية على مدى 46 شهراً ونيف، أن هناك تنسيقاً وتكاملاً بين الإرهاب الذي تشهده سورية، والكيان الصهيوني، وتركيا، برعاية أميركية كاملة، واحتضان عربي لم يسبق له مثيل في التاريخ.

ووفقاً لما بدأ يتكشف، فهناك في الجنوب السوري تنسيق تام وكامل بين "جبهة النصرة" المصنفة أميركياً وغربياً بأنها إرهابية، والدولة العبرية، والغاية من ذلك هو تنفيذ عملية خطيرة تُشعل الحرائق في لبنان بدءاً من جنوب جنوبه، وتمتد إلى أماكن واسعة، بحيث لا تقتصر الأمور على انفجار أمني واسع وخطير، إنما تفضي في النتيجة إلى إلغائه.

ولهذا، فالتحالف والتكامل بين "جبهة النصرة" وتل أبيب يقوم على مساعدة الثانية للأولى، للسيطرة على خط المواجهة في الجولان، مروراً بالبقاع الغربي، وامتداداً إلى منطقة العرقوب وشبعا، ما يؤدي إلى ضرب المقاومة من خاصرتها، وتقضي بالتمدد شمالاً وصولاً حتى بيروت والبقاع والشمال.. مع تحضير من قبل اتباع الجماعات الإرهابية في المخيمات الفلسطينية، لإشعال معارك مع محيطها، من خلال إيقاظ الخلايا النائمة، ومن هنا سر القلق الفلسطيني والارتباك اللذين لا يعرفا كيف يواجهان هذه الحالات، ويخافان من الفوضى العارمة التي قد تضرب هذه المخيمات.

ثمة تنسيق وتكامل بين تركيا - أردوغان و"داعش" في الشمال السوري، بحيث توفّر أنقرة لـ"داعش" كل أسباب البقاء والاستمرار، من أجل التوغل أكثر في سورية، تمهيداً لتفتتيها وتمزيقها، ومن أجل تشظي العراق، لأن المخطط الصهيوني واضح، تبعاً لأدبيات "المؤسسة اليهودية"، التي تريد للإرهاب والإجرام، أن يمضي في المنطقة، ليس من أجل رسم بلدان ودويلات جديدة، إنما من أجل تحقيق "النبوءة" التوراتية، "أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات"..

ولهذا ثمة رهان صهيوني على استمرار الحروب والأزمات إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، فلربما جاء رئيس اميركي جديد "توراتي" من عتاة المحافظين الجدد.

هل لاحظ أحد استمرار العمليات الإرهابية والإجرامية في شبه جزيرة سيناء ضد الجيش والأمن المصرييْن؟ لأن الأمر ببساطة أن "أرض الميعاد" حسب التوراة تمتد من سيناء وتمر بفلسطين وسورية ولبنان، وتنتهي على مجرى الفرات الذي ينبع من تركيا، وبالتالي هنا يتجلى التنسيق والتكامل العميقين بين أنقرة وتل أبيب، ما يعني تكامل بين "المقولات" التلمودية و"الأحلام" الإمبراطورية الطورانية، لذاك الرجل العجيب رجب طيب أردوغان.

أخيراً، ثمة حقيقة جلية وواضحة أن حزب الله ذهب إلى الجولان من أجل أن يبقى لبنان.. وسيبقى.