يعيش اليمن إرهاصات ولادة جديدة، بعد أربع سنوات من ثورة فبراير 2011 التي أسقطت الرئيس علي عبد الله صالح ولم تُسقط النظام، وحاولت السعودية وأميركا استبدال صالح بالرئيس عبد ربه منصور لإبقاء السيطرة السعودية على اليمن كحديقة خلفية للمملكة، وللسيطرة على باب المندب الممر الإلزامي للنفط السعودي إلى العالم، بعد مضيق هرمز، حيث تبلغ نسبة الصادرات النفطية عبر مضيق باب المندب حوالي 30% من تجارة النفط، وحوالي 21000 باخرة سنوياً، ما يعني أن السيطرة على باب المندب ستحقّق هدفين استراتيجيين على مستوى الشرق الأوسط والعالم، وهما:

- استخدام باب المندب لمواجهة معركة تخفيض أسعار النفط المفتعلة أميركياً، لإخضاع روسيا وإيران، ويمكن الرد عليها بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، مما يقيّد تجارة النفط، ويلوي الذراع السعودية الوحيدة التي تعطي السعودية دوراً في المشهد السياسي.

- دور مضيق باب المندب في إغلاق البحر الأحمر ومحاصرة ميناء إيلات "الإسرائيلي" ضمن محور المقاومة، ما يعني أن جبهات المقاومة ربحت جبهة جديدة من لبنان إلى سورية وفلسطين إلى اليمن، ما يجعل العدو "الإسرائيلي" يعاني الاستنزاف والإنهاك على مستوى الحفاظ على أمنه القومي، والاستنفار على جبهة جغرافية واسعة، وهو العاجز أصلاً عن حفظ التوازن على جبهة الجنوب اللبناني وقطاع غزة، ما سيحدث انقلاباً استراتيجياً في توازن القوى بين محور المقاومة والمحور الصهيوني - الخليجي.

أما على الصعيد السعودي، فإن خسارة السعودية لليمن يشكّل ضربة قاصمة للمملكة التي تعيش إرهاصات شيخوختها والصراع بين تيارات العائلة، والتي ستتبلور أكثر بعد وفاة الملك عبدالله، فاليمن يشكّل الحديقة الخلفية للمملكة، التي صادرت جزءاً كبيراً من أراضيه بعد تنازل الرئيس علي صالح عن الأراضي اليمنية، وحوصرت السعودية من جهة العراق (داعش) ومن جهة اليمن (القاعدة)، وتحالف الحوثيين وعلي صالح، ما سيجعلها رهينة التوتر والتهديد الدائم.

اليمن أمام منعطف مفصلي، والأسئلة متعددة: هل سيبقى اليمن موحَّداً أو يقسَّم إلى أقاليم متعددة بعنوان الفيديرالية؟ هل ينقسم اليمن إلى شمالي وجنوبي؟ هل بدأت الحرب الأهلية في اليمن أو الفوضى الهدامة كما في ليبيا وسورية والعراق؟ هل يتمكّن الحوثيون (أنصار الله) وتحالفاتهم السياسية من حفظ وحدة اليمن وبناء دولة المؤسسات، وإنقاذ اليمن أم سيسيطر الحوثيون على الحكم منفردين؟

المشكلة أن الأحداث في اليمن لا تنحصر بالأطراف الداخلية فقط، بل بالتدخل الخارجي بعنوان الأمم المتحدة والمبادرة الخليجية، مضافاً إلى الدور الأميركي عبر التيارات التكفيرية، وفي مقدمتها "القاعدة".. ودور "الإخوان المسلمين" الذي انكفأ في اليمن لكنه لم يغب عن الأحداث، وما يزال مؤثراً.

لقد دخل اليمن في شبكة الملفات الشرق أوسطية، والحل في اليمن لن يكون معزولاً عن الحل الشامل في العالم العربي، ضمن سلة توازنات تحفظ للفرقاء الدوليين، خصوصاً روسيا وأميركا، وللأطراف الإقليمية (إيران ومصر والسعودية) حصصهم على مستوى الأنظمة والجغرافيا، وفق عملية مقايضة أو توازن عام على مستوى الحكام والسيطرة، سواء كان ذلك وفق الكيانات الموحدة كما كانت قبل "الربيع العربي"، أو وفق خرائط جديدة خادعة مغلَّفة بشعار وحدة الكيان، لكنها في الحقيقة فيديراليات مقنَّعة تكون بمنزلة مرحلة انتقالية تختتم بالتقسيم الواقعي للكيانات والدول.

هل تبادر حركة أنصار الله (الحوثيون) لتقديم نموذج سياسي مغاير لتجربة "الإخوان المسلمين" في مصر، والتي احتكرت السلطة، أو تجربة الحزب الحاكم، أم تفتح باب المشاركة على المستويات السياسية والمذهبية والمناطقية (شمال وجنوب) لبناء سلطة وحدة وطنية لتثبيت الاستقرار في اليمن وعدم إخافة الشركاء من فائض القوى المفترضة عندها.

الوحدة الداخلية اليمنية ضرورة وطنية لمواجهة التدخل الخارجي والتيار التكفيري، لحفظ ثورة سبتمبر ووحدة اليمن وموقعه القومي والإسلامي في قضية الصراع العربي - "الإسرائيلي"، ومنع الفتنة المذهبية، وإحباط المشروع الأميركي لبناء الشرق الأوسط الجديد.

لا بد للإخوة اليمنيين من اقتناص الفرصة المناسبة لإنقاذ اليمن في ذروة الانشغال السعودي والخليجي، والإرتباك الأميركي في المنطقة، وصمود محور المقاومة وشراكته في صناعة الشرق الأوسط الجديد بدل أن يكون ضحية المشروع.