كان السؤال الأكثر تداولاً والأكثر التباساً لفترة طويلة، رغم وضوح النتائج: ما هو نوع العلاقة بين تركيا و"داعش"؟ وهل هي علاقة من النوع الحلال، أو أنها علاقة حتّمتها المصلحة الحرام، وسيأتي يوم الانفصال الطبيعي، جراء ازدواج العلاقة وتجاوزها الحدود المرسومة من صاحب المصلحة الأساس في مشروع الخراب العربي؟

لم يكن السؤال مرة واحدة، ولو من باب التشكيك للحصول على اليقين بأن لا علاقة، بل وأيضاً إلى أي مدى سيتمادى الأتراك على المستوى الرسمي في تلك العلاقة؟ وهل يستفيق رجب طيب أردوغان ويدرك عواقب افعاله، أم أن تلك الأفعال جزء من المنظومة التي يعتقد رئيس الدولة التركية ورئيس وزرائه أن بها وحدها تتحقق أحلام الإمبراطورية الموهومة؟

بدأت العلاقة الغامضة بالجلاد بعد رفض أردوغان شرح ملابسات إطلاق الدبلوماسيين الـ49 الذين كانت "داعش" اختطفتهم في العراق، وزاد الغموض المتوضح إعلان أردوغان أن تركيا لم تُبرم أي اتفاق لإطلاقهم، متزامناً ذلك مع إعلان صريح بأن عملية الإطلاق جاءت بأوامر مباشرة من أبي بكر البغدادي، دون أن يمسّوا أحداً بأذى، لينكشف لاحقاً أن اتصالات شبه يومية كانت بين الخارجية التركية و"داعش"، لا بل إن الاطمئنان كان شبه يومي بالتواصل مع الدبلوماسيين المحتجزين، بالتوازي مع تصفية جسدية للرهائن من جنسيات مختلفة، بينها من دول حلفاء مقربين لتركيا، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان..

في المقابل، فإن تركيا - أردوغان سهّلت لجحافل "داعش" اجتياح المناطق الكردية السورية في تل أبيض وصولاً إلى عين عرب، حيث بدأ يتحطّم حلم الحليف التركي؛ "داعش"، وقد لفت في غمرة الهجوم وقبله وبعده أن مسلحي "داعش" عاثوا فساداً وتدميراً في أضرحة المسلمين وعلمائهم وأوليائهم، إن كان في العراق أو في سورية، وحافظوا بالتوازي على معالم تركية موجودة في سورية، وبقي جنود أتراك لا يتجاوز عددهم العشرين لتأمين الحراسة عليها.

لقد سعت تركيا منذ بداية الأزمة السورية إلى تأجيجها عبر استخدام القوى التكفيرية، وتحت مسميات مختلفة؛ حسب الحاجة، بهدف إسقاط سورية مع استخدام أقذر الأدوات والمصطلحات في التحريض، ومحاولة تأليب كل دول العالم للنيل من سورية، ومحاولة فرض منطقة حظر جوي في المنطقة القريبة من الحدود التركية، لتسهيل حركة الإرهابيين وتأمين خطوط إمدادهم من الاراضي التركية، خصوصاً بعد فضيحة انكشاف نقل شحنات أسلحة، وبكميات كبيرة، من تركيا إلى المسلحين، من ضمن التنسيق الفاضح مع القوى الإرهابية.

لقد أمّنت السلطات التركية منذ البداية الممر والمأوى لغالبية الإرهابيين الذين تقاطروا من مختلف أصقاع الأرض للمساهمة في تخريب سورية، كما أمّنت للجرحى من بينهم الاستشفاء والطبابة والنقاهة، واليوم بدأ الإرهاب يطرق أبواب الدولة التركية بقوةـ بعد أن وصلت ضغوط أصدقائها عليها مرحلة الإحراج لمواصلتها احتضان الإرهاب بحنان غير مطلوب، فوقعت بين مطرقة الالتزام بتأمين العلاقة مع الحلفاء، وبين سندان مصالحها التي تراها عبر مواصلة دعم الإرهاب كي لا ينالها قسط منه، فقام أردوغان بمحاولات الهروب إلى الامام، عبر البحث عن استثمارات في الصومال، علّها تنجيه من غضب المعارضة التي تعاظمت انتقاداتها لسياسة حزب "العدالة والتنمية"، وصولاً إلى اتهامه بتنمية الإرهاب في الداخل مع اعتراف المخابرات التركية بوجود 3 آلاف تركي بين عناصر "داعش".

المعارضة التركية تحمّل أردوغان المسؤولية كمتسبّب أول في الأزمة الناشئة جراء احتضانه اللإرهابيين، وتحويل الأراضي التركية إلى مقر وممر لهم، وإنه تصرّف من وحي أحلامه الإمبراطورية، وهو بذلك يدفع المنطقة إلى حروب متداخلة تهدد مستقبل تركيا.