تشكل المساحة التي افترقت فيها حسابات الادارة الاميركية عن الحسابات الاسرائيلية خصوصا بالنسبة الى ملف ايران وفائدة التفاوض معها من اجل التوافق على نهاية لملفها النووي عاملا مهما لا ينفي سياسيون في ​8 آذار​ العمل على امكان توظيفه لمصلحة هذا المحور بغض النظر عن الموقف من الولايات المتحدة او النظرة الى سياساتها. فهناك عوامل يأخذها هذا المحور في الاعتبار ليس بناء على العلاقات المتوترة اصلا بين الرئيس الاميركي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية جملة مسائل بل اكثر انطلاقا من اعلان الرئيس باراك اوباما التصدي للكونغرس الاميركي في حال قرر فرض عقوبات جديدة على ايران قبل انتهاء المفاوضات الجارية معها واضطرار الكونغرس وتحديدا الحزب الديموقراطي الى اعلان قراره تأخير السعي لفرض عقوبات اضافية حتى ما بعد 24 آذار المقبل وتخفيف الضغط في هذا الاتجاه في الوقت الذي حافظ اوباما على رفضه استقبال نتنياهو الذي يزور واشنطن بدعوة من الكونغرس قبيل الانتخابات الاسرائيلية. هذا العامل في رأي المصادر، اي ما تظهره الادارة الاميركية من قدرة على التحلل من ضغط اللوبيات التي تدافع عن اسرائيل في واشنطن، هو امر ايجابي وقد يكون دخل في حسابات توقيت الرد الذي قام به "حزب الله" على العملية الاسرائيلية في القنيطرة السورية من بين جملة عوامل اخرى مؤثرة ايضا في طبيعة الرد ومكانه بحيث ان الدلالات مهمة في رد الفعل الاميركي على سبيل المثال على العملية في قوله "ان لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولكننا نفضل خفض بعض التوترات". الا ان عاملا آخر بدأ مساعداً في هذا الاتجاه في عجز ​مجلس الامن​ عن اصدار حتى بيان صحافي لادانة العملية التي قام بها الحزب، ما كان معبرا في غير مصلحة اسرائيل التي كانت تطمح لإدانة معنوية للحزب على الاقل، ولو ان انقسام مجلس الامن يعزى للتوتر بين الاعضاء الخمسة الدائمين لأسباب اخرى مختلفة. لكن الامر يظهر ان الرهان على موقف مشترك في اي محطة قريبة تستلزم ذلك لن يكون متاحا ولا نية لدى الاعضاء لدفع الاثمان الديبلوماسية.

الجانب الآخر كان لافتا في موقف ايران التي اوفدت رئيس لجنة الامن القومي في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي الى بيروت للمشاركة في الاحتفال التكريمي اليوم بـ"شهداء القنيطرة". فالزيارة التي اتت غداة الرد العسكري من جانب " حزب الله" باستهداف دورية اسرائيلية في مزارع شبعا تصب في خانة مساندة الحزب من جهة كما في خانة التوظيف السياسي للمرجعية الايرانية التي تلعب دورا الى جانب الحزب بالاضافة الى محاولة الطمأنة ان ايران لا تستهدف اطاحة الامن والاستقرار في لبنان عبر المواقف النارية التي كان اطلقها المسؤولون الايرانيون غداة العملية الاسرائيلية في القنيطرة السورية. فالرسالة الايرانية من بيروت ان ايران ليست بعيدة من رد الحزب من جهة وان العملية هذه حدودها من حيث اختيار مزارع شبعا المحتلة ميدانا لها من جهة اخرى بما يعيد الى الحزب طابع "المقاومة" الذي اكتسبه من مواجهته الاحتلال الاسرائيلي للاراضي اللبنانية، وهي تسمية اضمحلت خصوصا بعد انخراط الحزب في الحرب السورية الى جانب النظام. وهي نقاط اكدها تزامنا مع زيارة بروجردي مساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الذي تحدث عن حق الدفاع المشروع عن لبنان في اطار تثمينه رد الحزب وتأكيد دعم ايران لترسيخ الامن والهدوء في لبنان في رسالة طمأنة الى الافرقاء الداخليين الذين اعتبروا ان عملية "حزب الله" يمكن ان تستدرج حربا اسرائيلية على لبنان لا قبل له بتحملها وان ايران حريصة على عدم الذهاب الى هذه النقطة وانها ضامنة لذلك.

هل يدين ذلك ايران ويحملها مسؤولية استخدام لبنان ساحة لصراعاتها خصوصا في مواجهة اسرائيل؟ هذا جانب آخر من اظهار ايران امساكها بأوراق عدة وقدرتها على ادارتها وله بحث آخر. انما المغزى انه فيما تجاوزت اسرائيل بعمليتها معاهدة فك الاشتباك في الجولان فان "حزب الله" لم يخرج عن قوانين اللعبة وتحرك من ضمنها، وهي نقطة اخرى ليست في مصلحة رئيس الوزراء الاسرائيلي الى جانب الموقف الاميركي.

ويعتبر كثيرون ان هذه حدود الرد والرد على الرد بين اسرائيل والحزب وايران معه اعتقادا منهم ان هناك ضغوطا اميركية من اجل عدم التسبب بحرب في المنطقة بالاضافة الى انه لا مصلحة لإيران بان تعطي اسرائيل الذرائع من اجل القيام بحرب قد تصل اليها باستهداف منشآتها النووية. كما انه يصعب على نتنياهو ان يأخذ الاسرائيليين الى حرب جديدة بعد حرب غزة اخيرا التي دمرت القطاع من دون ان تربح اسرائيل الحرب فيما الولايات المتحدة لا ترى من مصلحتها دعم اسرائيل في اي حرب جديدة تخلط الاوراق وتطيح المفاوضات حول الملف النووي الايراني. اذ ان اوباما سيكون عاجزاً ان يكمل المفاوضات مع ايران فيما اسرائيل في حرب مع هذه الاخيرة.

الا ان الاسئلة تبقى اذا كان نتنياهو سيكتفي بذلك او يعمد الى القيام بعملية محدودة مماثلة. وهو ما لا تزال تخشاه مصادر عدة على رغم الاشارات الايجابية على احتواء التصعيد حتى الآن.