ليس صحيحاً أنّ البطريركية المارونية تتعاطى مع ملف ردم ​الحوض الرابع​ في ​مرفأ بيروت​ إنطلاقاً من خلفيات طائفية ومناطقية بحتة. هي التي قالت للمعترضين الذين زاروها من أصحاب الشاحنات والمخلّصين الجمركيين، "قبل أن نصدر أي موقف أو تعليق على هذا الموضوع يجب أن ندرسه من الناحية التقنية كي يأتي رأينا في محله بعيداً كل البعد عن التفسيرات والتأويلات". وهي التي لم تتكل فقط على ما قدّمه لها المعترضون من ملاحظات تقنية على ردم الحوض الرابع، بل أصرّت على تشكيل لجنة من أصحاب الإختصاص لدراسة المشروع والبناء على الشيء مقتضاه.

ما إن أنهت اللجنة تقريرها حتى صدر رفض ​بكركي​ لمشروع الردم على لسان النائب البطريركي العام المطران بولس الصياح الموكل من قبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي متابعة الملف. أسابيع عدة مرت على طرح هذا الملف في التداول السياسي والإعلامي، من دون أن يسمع المعترضون على ردم الحوض الرابع جواباً واضحاً وصريحاً من لجنة إدارة المرفأ على السؤال التالي: ما هي الجدوى الإقتصادية من ردم الحوض؟

أكثر ما يزعج بكركي والمعترضين على ردم الحوض، هو التكتم الشديد الذي تتعامل به رئاسة الحكومة مع هذا الملف، وتسأل مصادر متابعة "هل يجوز بعد كلّ هذه الضجة الإعلامية والسياسية التي أثيرت ألا يخرج مدير المرفأ ​حسن قريطم​ عن صمته ليشرح للبنانيين عموماً وللمعترضين على مشروعه بشكل خاص عن الجدوى والأسباب التي دفعته الى تلزيم الردم الى شركة "حورية" بقيمة 130 مليون دولار وبالتراضي من دون مناقصة؟"

المعلومات من داخل المرفأ تفيد بأن قريطم، وبعد تعرضه لهجمة إعلامية واسعة، قرر أن يعقد مؤتمراً صحافياً للرد على كل الإتهامات، غير أن رئيس الحكومة ​تمام سلام​ تمنى عليه التريث ووعده بأن الإتصالات قائمة في الكواليس لحلحلة هذه الأزمة وتمرير المشروع بأقل ضجة ممكنة.

في مقابل هذا التكتم والسريّة، تؤكد الأحزاب المسيحية مدعومة من بكركي و"حزب الله"، الرافض للردم أيضاً، بأنها لن تسكت عن تمرير هذا المشروع الذي يتضمن في طياته الكثير من الفساد والمخالفات والطائفية والقليل من المنفعة العامة وإحترام القوانين، خصوصاً بعدما كشف تقرير لجنة الخبراء التي كلفتها بكركي أن مشروعاً كهذا، وفي حال تمّ التوافق على الشروع بتنفيذه، لا تبلغ قيمة كلفته أكثر من 70 مليون دولار في حدها الأقصى، بينما تم تلزيم المشروع بأكثر من ذلك بكثير.

في جلسة مجلس الوزراء بالأمس حاول أكثر من وزير مسيحي أن يطرح قضية ردم الحوض الرابع من خارج جدول الأعمال، غير أن رئيس الحكومة رفض ذلك، الأمر الذي يؤكد تكتم سلام عن الموضوع.

إذاً لماذا هذا التكتم الشديد حول مشروع الردم؟ وما الذي يحاول أصحاب المشروع إخفاءه؟ ما الفائدة من ردم أكبر أحواض الشرق الأوسط وهناك مساحات شاسعة داخل مرفأ بيروت لا تستفيد الإدارة منها هذا إذا كانت الأخيرة تريد فعلاً توسيع الأرصفة؟

أسئلة لن ينفك المعارضون عن طرحها حتى إلغاء عقد التلزيم ووقف المشروع المدمّر لمرفأ العاصمة بيروت.