إنّ عملية مزارع شبعا الهامة ليست عملية ردّ من قبل حزب الله فحسب، بل إعلان جدي عن قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضت على الأراضي اللبنانية والسورية المحتلة. تلك العملية الكبيرة التي نفذها حزب الله والتي أتت في زمن قياسي كردّ ناجح وموجع على اعتداء من أحد أطراف النزاع في معارك أو حروب الاستنزاف عموماً. حرب الاستنزاف التي عاشها «الإسرائيليون» مع المقاومة في لبنان وكانت على أشدها في المواجهة مع حزب الله، وأدت بعد عشرين عاماً إلى تحرير الجنوب.

أكد الاعتداء «الإسرائيلي» على القنيطرة والذي استهدف قادة وعناصر من حزب الله وعميداً إيرانياً، في مثل هذه الظروف، أنّ ردّ حزب الله مقبل من دون شك، علماً أنّ الاعتداء كان متعدّد الأهداف، وليس صحيحاً أنّ «إسرائيل» لم تكن تعلم بوجود ضباط إيرانيين بهذه الأهمية، ضمن الموكب، وفي المحصلة فإنّ الاعتداء كان على لبنان سورية وإيران.

جاء ردّ حزب الله مفاجئاً لكلّ الأطراف وخصوصاً للجيش «الإسرائيلي»، رغم أنّ المفترض أن لا يكون كذلك، لكنّ المفارقة كانت سياق العملية وتوقيتها وعناصر نجاحها. فقد نُفذت في وضح النهار بأسلوب احترافي فريد، ويُجمع الخبراء العسكريون على أنّ نتيجة عملية في هذا التوقيت بالذات، أي في وضح النهار، تحمل نتيجة صفر لجهة النجاح، إلا أنّ لحزب الله أسلوباً آخر وعوامل أدت إلى نجاح العملية.

إنّ ما جرى ليلة تنفيذ عملية شبعا، في منطقة الجولان، لم يكن سوى أول عناصر نجاح العملية، والمقصود الصاروخان اللذان أُطلقا من الأراضي السورية شمال شرقي هضبة الجولان، أحدهما باتجاه معسكر لجيش الاحتلال والآخر باتجاه أحد مواقع التزلج في جبل الشيخ.

كان لافتاً تعليقات أمنيين إسرائيليين على الصاروخين، بأنّ إطلاقهما لم يكن عن طريق الخطأ أو العبث ولم يكن سوء تقدير، ولا أوجه شبه بين إطلاقهما وما كان يطلق قبل ذلك من صواريخ مجهولة المصدر فهي، حسب «الإسرائيليين»، صواريخ مقصودة.

إنّ ما جرى بعد الصاروخين يؤكد ما قبلهما، فعملية مزارع شبعا الهامة والدقيقة أظهرت التنسيق الكبير بين الجيش السوري وحزب الله، ولفتت الأنظار إلى أنّ الردّ ليس من حزب الله وحده، فقد نجح هذان الصاروخان في لفت الأنظار نحو الجولان على أنها المنطقة الأشدّ سخونة، وأنّ هناك أمراً ما قد بدأ في تلك المنطقة، ليبدأ عشية العملية قصف متبادل بين الجيشين السوري و«الإسرائيلي» في ليلة ساخنة جداً حبس العالم أنفاسه خلالها واقترب من حسم المشهد بعد أن تدهورت الأوضاع الأمنية في الجولان المحتل.

نجح التنسيق بين الجيش السوري وحزب الله في إلهاء العين الاستخباراتية «الإسرائيلية» وتحويل الأنظار إلى الجولان مباشرة، وإذ بالعملية في مزارع شبعا.

عملية مزارع شبعا ليست رداً أحادياً من جانب حزب الله، بل إعلان وتأكيد لما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، في مقابلته الأخيرة، مشدّداً على أنّ مصير محور المقاومة استراتيجي وواحد، وخصوصاً لجهة اعتبار أي اعتداء على سورية اعتداء على المقاومة، والعكس صحيح. كما أكد أنّ الملف مفتوح على الاحتمالات كافة، بما يتناسب مع الحلفاء ومحورهم.

بهذه العين ستقرأ استخبارات الجيش «الإسرائيلي» ما جرى، وفي ظروف كهذه لا يمكن فصل ما جرى ليلة العملية عن ما بعده، فالذي جرى في الجولان عشيتها إعلان موقف من محور برمته.

يبدو أنّ التنسيق القائم بين حزب الله والجيش السوري على أعلى وأدقّ مستوياته، ويبدو أكثر أنّ الطرفين مستعدان أكثر من أي وقت مضى لتبادل الخسائر والشهداء لصالح أحدهما الآخر، وللشرح أكثر فإنّ ما جرى تلك العشية في الجولان كلف الجيش السوري شهداء، ولم تكن سورية لتتوقف عن تنفيذ الخطة لمعرفتها بإمكانية ذلك بل إنّ الدفاع عن موقف حلف واستهداف أراضيها بالنسبة إليها أهم وأكبر، وهذا ما سيقرأه «الإسرائيليون» جيداً.

عملية مزارع شبعا حققت رسائل متعدّدة الاتجاهات وشديدة الجدية والخطورة في قراءة «الإسرائيليين» لطبيعة وماهية العلاقة بين هذا الحلف واستحقاقاته المصيرية، وما إذا كانت قادرة على فكّ أو عزل طرف عن الآخر في أي حرب مقبلة أو جبهة استنزاف، يمكن كثيراً أن تكون قد فتحت في الأراضي المحتلة أي مزارع شبعا والجولان.