لا يترك المعنيون المباشرون بالأزمة الرئاسية فرصة تفوتهم إلا ويقتنصونها بمحاولة لتحريك المياه الراكدة في نافورة القصر الجمهوري في بعبدا منذ أكثر من ثمانية أشهر. مؤخرًا، استغلوا وجود رئيس لجنة الامن والسياسة الخارجية الايرانية ​علاء الدين بروجردي​ في بيروت بمحاولة لحثّه على القيام بوساطة مع "حزب الله" تنهي تمسكه بترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وتضع حدًا للشغور الرئاسي الذي يبدو مفتوحًا ومن دون آفاق مع توافر معطيات عن أنّ شهر آذار المقبل لن يكون حدًا فاصلا في هذه الأزمة ولا حتى الصيف المقبل.

لم يراوغ المسؤول الايراني، بل أجاب "المتوسطين" لديه مباشرة بأنّ "حزب الله" هو "صاحب القرار" بما يتعلق بالملفات اللبنانية كافة وعلى رأسها الملف الرئاسي، وقد نقلت مصادر مطلعة عن بروجردي قوله لأحد المسؤولين اللبنانيين: "نحن ننسق مع الحزب بمسألة الصراع مع اسرائيل والتحديات التي تشهدها المنطقة وخاصة الخطر الارهابي، أما المسائل الداخلية فلا علاقة لنا بها بالرغم من حرصنا واستعدادنا للقيام بكل ما من شأنه أن يخدم استقرار لبنان سياسيًا وأمنيًا".

ويرى مراقبون بالاصرار الايراني على القول أنّ ملف الرئاسة بين يدي "حزب الله" مجرد "مناورة" لا سيّما وأنّ الكلّ يعي ويقرّ بأنّ الاستحقاق الرئاسي انتقل ومنذ أشهر إلى طاولة المفاوضات الاقليمية والدولية، لافتين إلى أنّ الحديث عن أنّ الموضوع عالقٌ في الضاحية أو في الرابية مجرد محاولة لتضييع الوقت بانتظار أن تبادر المملكة العربية السعودية لملاقاة يد إيران الممدودة.

وقد شكّل التعاطي مع الأزمة الحدودية الاخيرة، تحدّيًا كبيرًا لكلّ من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة ​تمام سلام​ واللذين أبلغا زوارهما عن محاولات لتقييد حركتهما بعدما بات شعور الاعتياد على غياب رئيس الجمهورية سائدًا. وينقل الزوار عن أحدهما قوله: "لا يمكن أن نسمح بأن تتقاسم الرئاستان الثانية والثالثة صلاحيات الرئاسة الأولى بعدما تولت الحكومة المهام الرئاسية المتعلقة بالشؤون الاجرائية". ويقول أحد الوزراء: "لقد تشكلت هذه الحكومة على أساس أنّها ستكون حكومة لأيام أو أشهر فاذا بها تتحول لحكومة تتخذ موقعًا ليس موقعها ويتحول كل وزير فيها لرئيس جمهورية بانتهاك صارخ للدستور والقوانين اللبنانية".

ويشدّد مصدر مسيحي بارز على وجوب التعاطي بكثير من الحذر مع المراوحة القاتلة التي يشهدها الملف الرئاسي، قائلا: "استخدام مصطلح قاتلة يأتي في مكانه تمامًا، باعتبار أنّ استمرار هذه المراوحة يهدّد باطلاق رصاصة رحمة في رأس الجمهورية خصوصًا وأنّ الكثيرين باتوا يتحدثون في مجالسهم الخاصة وفي غالبيّة الأوقات علنًا عن أنّ طول أمد الشغور بات يكرّس فعليا وجوب النظر بنظام جديد".

وفي الختام، ووسط هذه الغيمة السوداء، يبقى تعويل البعض على متغيرات ما قد تطرأ على الموقف السعودي من الملف اللبناني وبالتحديد الملف الرئاسي بعد مبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز، والكل يترقب اليوم المنحى الذي ستسلكه العلاقات الايرانية السعودية عساه يسمع هناك همسا باسم الرئيس العتيد.