لم يكن أحد يعتقد أنّ مصر ستبقى بمنأى عن الارهاب وتنظيماته التي باتت تعشعش في دول منطقة الشرق الاوسط، ولكنّ أحداً لم يعتقد أنّ مصر ستكون مسرحاً لـ"فورة" هذه المنظمات وإثبات وجودها الفاعل على الساحة في غضون هذا الوقت القصير. ولكنّ ما حصل ليل الخميس الفائت في منطقة ​سيناء​ والذي تضاربت المعلومات بشأن عدد ضحاياه (بين 30 و45 قتيلاً)، أوجب إعادة النظر في المسألة برمّتها.

صحيح أنّ "الربيع العربي" الذي شهدته مصر وأدّى إلى الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وما تلاه من أحداث وعدم استقرار، أعطى صورة مصغّرة لما ينتظر مصر في المستقبل القريب، ولكن الاطاحة بالاخوان المسلمين والرئيس المصري محمد مرسي، كبح جماح هذه المنظمات بعض الشيء.

وفيما اعتقد الجميع أنّ وصول الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، بغطاء غربي جامع، سيعيد إلى مصر الاستقرار والامن بفضل الخلفية العسكرية للسيسي ومكانته لدى العسكريين في الجيش المصري، تبيّن أنّ نار الارهاب لم تخمد في مصر وهي لا تزال فاعلة تحت الرماد.

في المقابل، تعتبر سيناء بالغة الاهمية بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يعتمدون عليها كبوابة للتبادل اليومي، وكمتنفس لهم من خلال معبر رفح. هذا الأمر طرح تساؤلاتٍ عدّة عن دور إسرائيل في تغذية المنظمات الارهابية على حدودها، كما فعلت في الجولان، وعمّا إذا كانت ترغب في إقامة مناطق عازلة لحدودها من خلال تسليمها لمنظمات إرهابية تسيطر عليها وتتحكم بها، فتشكل خط دفاع أول وتخفّف نسبة الاصابات في صفوف جنودها وآلياتها.

ولا يمكن إغفال أمر بالغ الاهمية في هذا السياق، وهو أنّ هذه الجماعات تقاتل بشراسةٍ أكبر وبطريقة غير منتظمة، وهو ما لا يمكن للجندي الاسرائيلي القيام به، كما أنّ عقيدتها تجعلها تواجه "حزب الله" والمقاتلين الشيعة من إيران وغيرها دون خوف أو ورع، على غرار ما يحصل في سوريا.

ووفق ما يمكن تقديره، فإنّ إسرائيل ترغب في تعزيز هذه الرؤية إن في الجولان أو في سيناء لسببين أساسيّين: الأول أنّ إسرائيل لا تثق بأن النظامين في سوريا وفي مصر يمكنه أن يمسك مجدّداً بالاوضاع كما كان يفعل من قبل حيث كان الجولان وسيناء من المناطق الأكثر هدوءاً في العالم. وتعتبر إسرائيل أنّ النظامين باتا غير مؤهلين لاستعادة دورهما السابق حيث كانا يحكمان بطريقة قوية وشاملة.

أما السبب الثاني، فكان الفشل الذريع لكلّ التدابير التي اتخذها الجيش الاسرائيلي على مختلف الحدود، إن كان عبر الجدار العازل، أو عبر الشريط الفاصل، أو عبر "القبة الحديدية" التي لم تمنع وصول الصواريخ من مختلف الانحاء (غزة، لبنان...) الى الداخل الاسرائيلي.

وبات الخوف من وصول مقاتلي "حزب الله" إلى الداخل الاسرائيلي، بحيث تتحول المواجهة عبر الحدود أو في الداخل اللبناني او السوري، الى الداخل الاسرائيلي للمرة الاولى. وهذا القلق دفع بالاسرائيليين الى البحث عن انفاق تحت الارض بعد ان سمع سكان الشمال اصواتاً زعموا أنّها لمقاتلي "حزب الله" المتربصين للانقضاض عليهم.

وترى اسرائيل في مثل هذه المناطق المعزولة أماناً حقيقياً لها، كما ترى فيها ذريعة سياسية مهمة عند البحث عن اي ترسيم مقبل للحدود لان اقتلاع هؤلاء الارهابيين لن يكون بالامر السهل، وما عليها سوى الوقوف متفرجة لحل هذه المعضلة.

أما ما يُحكى عن الحرب على "داعش"، فاسرائيل كفيلة بضمان سلامة من يسير في مخططها، عبر التأثير الذي تمارسه لمنع أيّ ضربة جوية على هذه المناطق، لا بل تقوم هي بتأمين سلامة هؤلاء عبر عملياتها الجوية.

ويبقى السؤال المحوري: هل ستلقى اسرائيل مصير الولايات المتحدة في افغانستان، ومصير الغرب في العراق وسوريا، عندما ينقلب عليها الارهابيون ويبدأون بتنفيذ خطتهم الخاصة؟