عندما يلتقي ​لبنان​يّان أمام مدخل المصعد يُمضيان وقتاً طويلاً في دعوة بعضهما بعضاً للدخول أوّلاً. وعندما يلتقي لبناني بلبنانيّ آخر بحاجة إلى أيّ نوع من المساعدة، لا يتردّد الأوّل في مدّ يد العون للثاني على حساب وقته وراحته وأمواله في بعض الأحيان. وعندما تخرج مجموعة من اللبنانييّن لتناول الطعام تظنّ أنّ عراكاً قد وقع بينهم في الختام، قبل أن تكتشف أنّ الأصوات العالية والتدافش ناجم من رغبة الجميع في دفع الفاتورة عن الجميع. والأمثلة لا تنتهي عمّا يُفترض أن يكون تهذيباً عالياً ورُقيّاً في التعاطي يتمتّع به اللبنانيّون. لكن هذه "المَحَاسن" سُرعان ما تسقط وتتغيّر كليّاً عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته. ولأنّ التعميم غير مُنصف، قد يكون من الأدقّ الحديث عمّا يقوم به قسم كبير من اللبنانيّين، وليس جميعهم، عندما يقودون سياراتهم.

أوّلاً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته، يَنسى قصّة الإحترام المُتبادل أمام المصعد، ليُصبح هجومياً بقيادته ويرغب بالعبور قبل غيره عند تقاطعات المرور، ومُستعدّاً لمزاحمة "خصومه" في السيارات الأخرى بكل عدائيّة، من دون أن يفكّ أحد حتى اليوم الفارق – اللُغز، بين التهذيب أمام مصعد المبنى من جهة والعدائيّة على تقاطعات السير من جهة أخرى!

ثانياً: عندما يكون اللبناني خلف المقود، لا يُشارك صانعي السيارات فكرتهم بأنّ بُوق سيارته مُخصّص حصرياً لتنبيه سائقي السيارات الأخرى من خطر إصطدام وشيك، حيث يعتمد هذا "الزمّور" كلغّة كاملة ومُتكاملة لمخاطبة كل مُستخدمي الطريق وحتى لتوبيخهم. فهو يُطلق العنان لبوق سيارته لحثّ السائقين أمامه على الإنطلاق باللحظة نفسها التي تتحوّل فيها إشارة السير من الضوء الأحمر إلى الأخضر، وأيّ تأخير أو تباطؤ لعِشرٍ من الثانية الواحدة (أي لمدّة جزء واحد من عشر أجزاء من الثانية الواحدة) كفيل بزيادة الضغط على "الزمّور" لمدّة طويلة. وهذا البوق يُستخدم أيضاً بهجوميّة غريبة لدفع السيارات التي تسير أمام اللبناني لإفساح المجال له للمرور، حتى لو أنّ السائق المعني في السيارة الأمامية يسير بالسرعة القصوَى المسموحة قانوناً! و"الزمّور" يُستخدم للتعبير عن الإنتماء السياسي والحزبي، وكذلك للتعبير عن الشعور بالفرح أو بالحزن والمزاج بحسب المناسبة، وخصوصاً للتعبير عن الغضب والإمتعاض من أسلوب قيادة السائقين الآخرين، مع إستعداد دائم لمواكبة "التزمير" بوابل من السُباب والشتائم "المُحترمة".

ثالثاً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته، لا يعترف لا بخطوط بيضاء، ولا بأحقيّة مرور، ولا بكل قوانين السير، فهو الوحيد المُستعجل والمتأخّر عن إنشغالاته. ومن المعيب بالنسبة إليه أن لا يمرّ أوّلاً، أو أن يقف في خط إنتظار قانوني، وهو مُستعدّ للتجاوز من جهة اليمين، وللصعود إلى الرصيف، وحتى للقيادة عكس السير إذا ما دعت الحاجة، لأنّ الهمّ الأساسي بالنسبة إليه هو أن لا تُحتجَز سيارته وسط زحمة السير!

رابعاً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته، يُخالجه شعور تفوّق وثقة يفوق ما هو عليه بأشواط، فكم من اللبنانيّين يملك سيارة صغيرة ومتواضعة لا يتجاوز سعرها بضع آلاف من الدولارات لكنّه لا يتردّد في تزويدها بزجاج داكن، وبالسعي جاهداً لنيل رخصة رسميّة لذلك، لا لشيء إلا رغبة بالتباهي بأنّه "شخصيّة مُهمّة" أو هكذا يظنّ نفسه!

خامساً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته لا يعترف كثيراً بالإشارة الحمراء، خاصة ليلاً أو عندما يكون السير المُقابل خفيفاً، فهو يعتبر أنّ العالم الغربيّ يُضيّع وقته بهذه القوانين غير المُجدية برأيه، ويشعر بأنّه مُحنّك إذا ما تمكّن من أن ينفُد بسيارته قبل وصول أيّ من السيارات التي لها حق المرور بحسب الإشارة الضوئيّة، غير آبه بالمخاطر القاتلة الناجمة من مخاطر عدم إحترام حقّ المرور.

سادساً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته ينزعج من مسألة ربط حزام الأمان، فهو لا يَعترف بكل الإحصاءات والدراسات العالميّة التي تؤكّد بما لا يقبل الشكّ أنّ ربط الأحزمة يُخفّف ضحايا حوادث السير بشكل كبير، وبرأيه أنّ حزام الأمان يُشعره بضيق نفس ويُسبّب له "عَبقة"! وهو يستخدم عبارة "يَعطيك العافية وَطن" كجواز مرور على الطريق لجعل عناصر السير والقوى الأمنيّة كافة، تغضّ النظر عن مخالفاته، ومنها الإلتفاف في الأماكن الممنوعة على سبيل المثال لا الحصر.

سابعاً: عندما يكون اللبناني خلف مقود سيارته، يشمئزّ من رؤية رادارات قوى الأمن لأنّها برأيه مُخصّصة لسرقة "جيبه"، مثلها مثل كشف "الميكانيك" الإلزامي، ويُطالب الدولة بصيانة الطرقات وبإضاءتها، وبمعالجة الحُفر ومدّ الإسفلت الجديد، قبل مطالبته بأيّ أمر.

والأمثلة لا تنتهي عن "ثقافة" اللبناني على الطريق وخلف مقود سيارته، والإضاءة على بعضها ليس من باب حثّ أحد على التغيير – لا سمح الله، لأنّ أحداً غير مُقتنع أساساً بأنّه يقوم بأيّ خطأ! وكل ما في الأمر أنّه محاولة مُتواضعة للتذكير بأنّ القيادة ذوق وأخلاق، وبأنّ الطريق العام ليست "مِلك بَيّ" كل من وجد نفسه معنيّاً مباشرة بما هو وارد أعلاه!