اتفقت الآراء على ان عودة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ الى لبنان لن تكون طويلة، وهو لن يطيل اقامته في الاراضي اللبنانية لاسباب عدة. كثيرون اعتبروا ان العودة كانت مفيدة ومثمرة ويجب الاعتماد على نتائجها من اجل تأسيس رؤية جديدة للمستقبل، وآخرون رأوا انها لم تصب في مصلحتهم، ولعل في مقدمهم رئيس الحكومة الحالي ​تمام سلام​.

ثقيلة تمرّ الايام على سلام منذ عشية 14 شباط الفائت وحتى اليوم، فمنذ عودة الحريري عاش سلام وكأنه رئيس حكومة الظل، ولولا زيارته الى روما واستقباله كرئيس حكومة لبنان في مؤتمر ميونيخ الاخير، لكان يعيش في العتمة التي فرضها عليه الحريري.

من خطاب "البيال" في الذكرى العاشرة لرحيل والده، الى سلسلة اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين والزعماء المحليين من الصف الاول ومن بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، الى اللقاء الموسع الذي جمع خلاله سفراء الدول العربية في لبنان، بدا الحريري وكأنه الخطر الحقيقي على سلام الساكن في السراي والذي يستجمع افكاره واتصالاته للملمة "اشلاء" حكومته التي تتمتع بالقدر الكافي من الاوكسيجين بفعل الغطاء الاقليمي والدولي، ولكنها تسبح في فراغ المحيط الواسع.

ولعل "القشة الذي قصمت ظهر البعير" كانت في حسم الحريري، وفي غياب سلام نفسه، مسألة عودة الحكومة الى الاجتماع قريباً، بخلاف القرار الذي كان اتخذه سلام لجهة تعليق لقاءات الحكومة الى ان تتم معالجة آلية عمل مجلس الوزراء. وتكمن خطورة هذا الامر بالنسبة الى رئيس الحكومة، ان هذا الموضوع قد اثاره بنفسه وارسى أسسه بسلسلة اتصالات مع المسؤولين وفي مقدمهم بري، وكان قريباً من التوصل الى صيغة قريبة لما ينادي به. لكن اللقاءات التي عقدها الحريري مع بري نفسه وعون والاتصالات التي اجراها، كانت كفيلة بنسف ما بناه سلام خلال الفترة الاخيرة، كما تحدث الحريري بلسان المحافظة على منصب رئاسة الحكومة والطائفة السنّية.

عرف عن سلام في الآونة الاخيرة انه صبور وتخرج بنجاح من مدرسة تدوير الزوايا التي كانت ضرورية في الفترة الاخيرة من اجل تمرير الوقت في اقل قدر ممكن من المشاكل والمواجهات. الا ان سلام بدأ يحصد مساوىء هذه السياسة، لانه يرى الخطر المحدق به والمتمثل بالحريري وهو مقبل في اتجاه السراي الكبير، راكباً عربة الاتصالات واللقاءات في الداخل والخارج، ليطوي الجميع صفحة "ايوب وصبره" ويبدأوا في التطلع الى صفحة جديدة.

وخلال فترة قصيرة، تمكن الحريري من اعادة حضوره بعد غياب طويل عن الساحة، لم يتمكن من تعويضه عبر الخطابات المصورة واللقاءات التي كانت تجري في العاصمة الفرنسية او العاصمة السعودية. ويمكن القول ايضاً ان عودته كانت اساسية لاعادة امساكه بزمام الامور في "تيار المستقبل" الذي كان المتحدثون باسمه يكثرون يوماً بعد يوم.

وفي ظل الترجيحات والاسهم التي كانت تعلو شيئا فشيئاً لكل من وزيري الداخلية ​نهاد المشنوق​ والعدل اشرف ريفي للوصول الى السراي بعد مغادرة سلام، كسر الحريري هذه التوقعات وعاد مرشحاً اول لهذا المنصب، وعمل على تعزيز حضوره في الاوساط السنّية التي كانت بدأت تظهر عدم رضاها عن طريقة التعاطي معها من قبل "المستقبل". كما هيّأ الحريري ايضاً لترسيخ مفهوم الاعتدال السنّي عبر القرار الذي صدر قبيل وصوله الى بيروت بتعليق عضوية النائب ​خالد الضاهر​ بعد الكلام الصادر عنه، ما خفف حملاً كبيراً وعبئاً ثقيلاً عن كاهل رئيس الحكومة السابق، وأمّن له راحة اكبر في التواصل مع مختلف الافرقاء على الساحة المحلية.

ولكن المشكلة الوحيدة التي لا تزال تلاحق الحريري كظله تبقى في انه وُضع في واجهة الهبات المالية السعودية للجيش اللبناني (مجموعها 4 مليارات دولار) لم يستلم منها الجيش اي قطعة سلاح بعد، فيما بدأ الحديث يكثر عن "تبخر" هذه الهبات وهو امر سوف يرتد سلباً على رئيس الحكومة السابق، وسيستخدمه اخصامه ضده دون شك.