في أواخر العام 2014، قدّم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون الى قوى الرابع عشر من آذار المبادرة الرئاسية التالية: "نقبل كتكتل بالنزول الى جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، شرط أن تنحصر المعركة بيني (العماد عون) وبين رئيس حزب القوات سمير جعجع".

كان همّ رئيس "التيار الوطني الحر" يومها، تقول أوساط مقربة من الرابية، " يتركز على منع وصول مرشح ضعيف الى القصر الجمهوري، أو مرشح تسوية لا يتمتع بغطاء شعبي واسع وقاعدة تمثيلية تلبي طموحات المسيحيين في العودة الحقيقية الى السلطة، خصوصاً بعد سنوات الغبن التي عاشوها منذ إتفاق الطائف وحتى اليوم".

لم تعش هذه المبادرة العونية كثيراً، لأنّ القصف العشوائي الآذاري عليها لم يتأخر. فالفريق الرافض لها رأى فيها ضرباً لكل مرشحيه الآخرين غير جعجع. وفي هذا السياق، تعلق اوساط "التيار الوطني الحر"، "إعتقدت قوى الرابع عشر من آذار يومها، أنّ ما يميّزها عن الفريق السياسي الذي يتبنى ترشيح العماد عون في المعركة الرئاسية، هو إمتلاكها أكثر من خيار على صعيد الترشيحات، من رئيس القوات الى النائب بطرس حرب مروراً برئيس حزب الكتائب أمين الجميل، وبأن هؤلاء يتمتعون بتمثيل مسيحي، معتبرة أن مبادرة العماد عون تأتي لتضرب كل هذه الأوراق وتحصر خياراتها بمرشح واحد، فإذا نجح بحرق هذا المرشح، يعدم كل الآمال الآذارية بإيصال رئيس من صفوفها".

اليوم وبعد مرور أشهر، تظهر التطورات بما لا يقبل الشك أن همّ الجنرال الرئاسي لم يتغير، بينما حسابات قوى "14 آذار" أو على الأقل أصحاب القرار داخل هذا الفريق تغيرت وتبدلت. فلم يعد أحد من نواب اصحاب القرار داخل هذا الفريق، يتحدث عن ترشيح الوزير حرب أو عن إحتمال تبني ترشيح الجميل لا من قريب ولا من بعيد. فالحوار قائم بين الرابية ومعراب ورئاسة الجمهورية أحد بنوده الأساسية. ولا يتخيل أحد، تقول المصادر المتابعة، بأن هذا الحوار وُجِد لإيصال رئيس ضعيف كميشال سليمان، ينتظر عند تشكيل كل حكومة أن ينعم عليه هذا الفريق او ذاك بعدد من الوزراء، وبالتالي يصادر قراره مقابلهم.

وبما أنّ "تيار المستقبل" يرحب بحوار الرابية-معراب القائم اليوم، تقول مصادر التيار، فهذا يعني أنه يوافق على حصر المنافسة بين هذين الفريقين، وبالتالي يمكن القول يا ليتهم قبلوا بمبادرة عون منذ أشهر ولم ينتظروا كل هذه الفترة لتعود المفاوضات وتنحصر بين عون وجعجع.

لكل ما تقدّم، لا يندم العونيون على تعطيلهم جلسات انتخاب الرئيس، ولا تشكل لهم هذه القضية خجلاً أو إحراجاً، ويراهنون في إنصافهم على محكمة التاريخ، إنصاف ينطلق من عدم مساومتهم على مواصفات الرئيس العتيد، رئيس لا يرونه إلا قوياً، يضع في سلم أولوياته قانون إنتخاب جديد يعيد للمسيحيين حقوقهم التمثيلية التي سلبت منهم طيلة السنوات الماضية، ويعيد من هذا القانون الشراكة الوطنية الحقيقية والمناصفة الفعلية في السلطة، شراكة لا تعني في مفهومهم أن يزيّن المسيحيون كل إستحقاق من خلال إضفاء صفة الميثاقية عليه، كل ذلك من دون أن يلعبوا دورهم الحقيقي.