على الرغم من المحنة الكبيرة التي تمرّ بها، عادت حركة "الإخوان المسلمين" إلى الرهان على الدول الخليجية لتحسين أوضاعها من جديد، لا سيما بعد التبدلات التي حصلت على مستوى السلطة في السعودية، بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، ووراثة الملك سلمان بن عبد العزيز للحكم.

في المرحلة الراهنة، يرى مراقبون وجود ضرورة لعقد مصالحة مع الجماعة، في ظل بروز نجم الجماعات المتطرفة على الساحة الإسلامية بشكل لافت، خصوصاً على الساحة المصرية، حيث لدى "الإخوان" الملايين من المناصرين، الذين مكنوها من السيطرة على السلطة قبل التغيير الذي حصل بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ويعتبرون أن ذلك يساعد على تحصين المجتمعات إلى حد بعيد.

في قراءة سريعة لتاريخ الجماعات الإسلامية، تعتبر مصادر مطلعة أن القمع الذي تعرض له البعض منها، ولا سيما الوسطية والمعتدلة، ساهم في تحويل البعض الآخر من عناصرها إلى التطرف، وتشير إلى أن التجربة التي حصلت مع الفصائل العاملة في مصر، في النصف الثاني من القرن المنصرم، تشكل دليلاً مهماً على هذا الصعيد، بعد الخلافات مع النظام العسكري المصري في ذلك الوقت، بسبب تناقض التوجهات.

وتوضح هذه المصادر، لـ"النشرة"، أن بعض قيادات الجماعات المتطرفة التي برز نجمها بعد سنوات، والتي كانت الجماعة الإسلامية المسؤولة عن إغتيال الرئيس المصري أنور السادات أبرزها، ولدت من رحم السجون، بعد أن وجدت أن العنف هو الحل لمواجهة النظام الذي أراد القضاء عليها، بعد أن رأى أنها الخطر الحقيقي الذي تشكله على زعامته، وتلفت إلى أن كتابات سيد قطب التي جنحت نحو التطرف ظهرت نتيجة هذه الوقائع.

من هذا المنطلق، تعتبر هذه المصادر أن مواجهة التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، تتطلب البحث عن حلول لمعالجة الأزمة القائمة مع الحركة مع بعض الدول العربية، نظراً إلى التحولات التي حصلت بعد أحداث الربيع العربي، وترى أن هذا الأمر يساعد على محاصرة الجماعات المتطرفة التي تعمل على إستغلال هذه الأزمة، في سبيل كسب المزيد من المؤيدين، الذين قد يكونون من المقربين منها أو يدورون في فلكها.

على هذا الصعيد، تكشف مصادر قيادية في الحركة، لـ"النشرة"، عن تطورات جديدة بالنسبة إلى العلاقة مع بعض الدول، لا سيما الخليجية منها، وتشير إلى أن مسار الأحداث في الأيام المقبلة سوف يؤكد هذا الأمر بشكل واضح، لكنها تتمنى أن لا يتم طرح موضوع المصالحة على قاعدة أن هناك فريقين يريدان التقارب من أجل إزالة بعض نقاط الإختلاف.

وتشير هذه المصادر إلى أن الحركة تمثل تيارًا شعبيًا إنطلق من مصر، منذ عشرات السنوات، وترى أن الأنظمة في المنطقة لو كانت ديمقراطية لما وجدت مثل هذه الأزمات، لأنها كانت ستسلم بوجود تيار إسلامي معتدل يجب التعامل معه، وتشدد على أن "الإخوان" بالرغم من كل ما حصل ملتزمة بخطاب الإعتدال والوسطية، وترى أن الحديث عن خروج الجماعات المتطرفة من رحمها غير عادل.

بالنسبة إلى ظهور التنظيمات المتطرفة الحديثة، من "داعش" و"النصرة"، تطرح المصادر أسئلة حول أسباب ظهورها راهنًا، بعد أن كانت الساحة مفتوحة أمام الحركات الإسلامية المعتدلة لتمارس دورها، وهي نجحت فعلياً في تحقيق إنجازات تاريخية في كل من مصر وتونس، وتشير إلى أنّ السبب الأساسي يكمن في التحدّي الذي مثلته الأنظمة السابقة التي مارست القمع بوجه الحركات الإسلامية المعتدلة، وتشدّد على أنّها مضطهَدة من قبل الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، على عكس ما يحاول البعض أن يشيع، وتوضح أنّ تكفير هذه المجموعات يطالها أيضًا لعدّة أسباب.

في الوقت الحالي، تعبّر حركة "الإخوان المسلمين" عن الكثير من المخاوف، نظراً إلى سعي البعض إلى "شيطنتها"، من خلال التركيز على دور المنظمات الإرهابية، إلا أنها رغم ذلك ترى أن هناك تطورات إيجابية من الممكن الرهان عليها.

وتكشف المصادر القيادية في الحركة عن تراجع الأنظمة الخليجية، التي كانت قد وضعتها على لوائحها الخاصة للمنظمات الإرهابية، عن مواقفها، بعد تسلم المجموعة الجديدة السلطة في السعودية، والتي على ما يبدو لديها توجهات مختلفة، لكنها توضح أن الإشكالية الأساسية هي مع دولة الإمارات العربية، التي لديها مخاوف من التيار الإسلامي الفاعل لديها، وتذكر أنه في العام 1982 كان هناك وزراء من "الإخوان" في الحكومة الإماراتية، لكنها تعتبر أن بعض المواقف التي يعبّر عنها من حين إلى آخر هدفها إرضاء الحليف المصري.

وتشير هذه المصادر إلى أن من أهم المؤشرات على هذا التحول هو مشاركة أعضاء من الحركات الإسلامية، المقربة من "الإخوان"، في مؤتمر لمقاومة الإرهاب في السعودية قبل أيام، حيث كان لهؤلاء كلمات مهمة.

وعلى الرغم من كل ذلك، تعترف هذه المصادر بأنّ العقبة الحقيقة تتمثل بالساحة المصرية، حيث هناك تناقضٌ بين "الإخوان" والنظام القائم حالياً، لكنها تعتبر أنّ الدول الخليجية قادرة على الضغط على هذا النظام، الذي هو بحاجة كبيرة إليها في الوقت الذي فشل في تحقيق أي نجاح يذكر.

في الختام، تعرب هذه المصادر عن تفاؤل حذر، لكنها تشدد على أنّ الذهاب نحو المصالحات هو من الخطوات التي تساهم إلى حد بعيد في محاصرة التطرف والمتطرفين.