خلال أيامٍ قليلة، كثّف رئيس الجمهورية السابق ​ميشال سليمان​ من "نشاطاته" بشكلٍ واسع، بعد فترةٍ من "الانقطاع النسبي" عن الصورة، محاولاً بشكلٍ أو بآخر استعادة "وهجٍ" افتقده يوم سلّم قصر بعبدا إلى "فخامة الفراغ"، في الخامس والعشرين من أيار الماضي.

وإذا كانت "حركة" سليمان المستجدّة أضافت إلى لائحة "خصومه" الكثيرين ممّن كانوا حتى الأمس القريب "أصدقاء مفترضين" له، فإنّها رسمت علامات استفهامٍ واسعة حول "بركتها"، ولا سيما لجهة "الدور" الذي يبدو أنّ الرجل يبحث عنه في المرحلة الراهنة.

علامة فارقة ونقلة نوعيّة..

قبيل مغادرة ميشال سليمان القصر الجمهوري في العام الماضي، كان "رهانه" قائمًا على "تمديد" اللحظة الأخيرة، بحسب ما تروي مصادر سياسية مطلعة، حيث تشير إلى أنّ الرئيس السابق كان يمنّي النفس بأنّ هذا التمديد هو "حقٌ" من حقوقه البديهية، "حقوقٌ" لم تبخل بها الطبقة السياسية على أيّ ممّن سبقوه، ولن تبخل بها عليه، طالما أنّها "عاجزة" عن التوافق على من يمكن أن "يخلفه".

ولكن، ولأنّ الرياح لا تجري بالضرورة كما تشتهي السفن، فإنّ القرار كان قد اتُّخِذ على أعلى المستويات، خصوصًا في صفوف الفريق المسيحي الذي خلق سليمان نفسه "خصومة" معه على مدار سنوات. لم يتردّد هذا الفريق بالمجاهرة علنًا بالمعادلة القاسية: "الفراغ أولى من التمديد"، بل ذهب البعض للقول أنّ التمديد، لو أقرّ، لن يكون سوى تمديد للفراغ، فراغٌ كان يحكم القصر طيلة ولاية الرئيس سليمان.

تلفت المصادر إلى أنّ هذا القرار كان "علامة فارقة" بل "نقلة نوعية" في العلاقة بين الرئيس السابق وقوى الثامن من آذار. وفيما توضح أنّ الرجل تخلّى يومها عن "حياديته المزعومة"، وانطلق في "حربه" على مختلف مكوّنات هذا الفريق، تستشهد بـ"الانقلاب" الذي قاده الرجل على المقاومة، التي كان الرجل قد تعهّد بـ"حمايتها برموش العين"، فإذا بمعادلتها تتحوّل بين ليلةٍ وضُحاها إلى "خشبية" لا جدوى منها.

حين سرق الحريري وهج حضوره..

ورقة "التمديد" أحرِقت إذاً، وغاب ميشال سليمان عن الساحة لأشهرٍ خلت، مكتفيًا ببعض المواقف والإطلالات، معطوفة على "التسريبات" بالتحضير لعودةٍ ستكون مختلفة.

خلال الأيام الماضية، تحققت هذه "العودة"، وتكثّفت نشاطات الرجل. من بوابة المشاركة في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، كانت "الانطلاقة"، انطلاقة سرق "وهجها" رئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري. يومها، حرص الرئيس السابق على الحضور متأخرًا على المهرجان، وعمد إلى تسريب حضوره "شخصيًا" عبر إحدى وسائل الإعلام قبل وصوله، لكنّ حضور الحريري "شخصيًا" لم يترك له الفرصة لتحقيق مُراده.

وبعد الرابع عشر من شباط، كرّت سبحة "نشاطات" الرئيس السابق، من "رعاية" اللقاء الوزاري الاستثنائي في دارته، والذي بدا بمثابة "بروفا" لحركةٍ جديدةٍ بهويةٍ مفقودة، إلى "جولته" إلى أبو ظبي، وصولاً إلى زيارته البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وفي كلّ هذه المحطّات مواقف وتصريحات يظنّ المستمع إليها أنه في حضرة "رئيسٍ حالي" لا "سابق"، على حدّ تعبير المصادر، التي تسأل عمّا إذا كان الرجل لا يزال يطمع بـ"تمديدٍ بمفعولٍ رجعي" على سبيل المثال، أم أنّ كلّ ذلك يندرج أيضًا وأيضًا في خانة عملية "البحث عن دور".

مستاؤون كثُر..

بالعودة إلى "نشاطات" الرئيس السابق ومواقفه خلال الآونة الأخيرة، تحضر "ثابتة" رفض "التطبيع" مع "الفراغ"، التي ترى المصادر أنه يستخدمها كـ"شعار" لتصوير نفسه وكأنه "حامي المسيحيين"، أو كأنّه الحريص على الموقع المسيحي الأول، في حين أنّ ممثلي المسيحيين من النواب "متواطئون" في "مسرحية" الفراغ التي لا يبدو أنّ نهايتها باتت قريبة.

لا تتردّد المصادر باعتبار أنّ هذا اللقاء مُصوَّبٌ بشكلٍ خاص ضدّ "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" المُنخرطَين في حوارٍ تُعقَد الكثير من الآمال عليه، وما إشراك رئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل فيه سوى خير دليلٍ على ذلك، باعتبار أنّ الأخير غير راضٍ عن المسار الذي تذهب إليه الأمور، وعن "تغييبه" عن الحوار لمصلحة جعجع.

ولكن، وبعيدًا عن الحسابات المسيحية المسيحية، وإذا كان "خصوم" سليمان "نأوا بنفسهم" عن تصريحاته لعدم "تكبير حجمه"، على حدّ تعبير مصادرهم، التي تساءلت عمّا إذا كانت المُعطيات التي تتحدّث عن أنّ العماد ميشال عون بات أقرب من أيّ وقتٍ مضى إلى قصر بعبدا هي التي جمعت كلّ "المتضرّرين"، فإنّ "حلفاءه المفترضين" لم يكونوا أفضل حالاً.

هنا، تتحدّث المصادر عن استياءٍ كبيرٍ أثاره هذا اللقاء لرئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، الذي لطالما شكّل مع سليمان ثنائيًا سُمّي "وسطيًا"، وكذلك لرئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري الذي لم ينكر المقرّبون منه "امتعاضه" من اللقاء الذي حمل عنوان رفض تعديل آلية الحكومة، خصوصًا أنّ القاصي والداني يعلمان أنّ ما يُعرف بـ"الإجماع" ليس سوى "بدعة وعرفًا جديداً" لا يتلاءم مع أحكام الدستور، ولا يؤدي إلا للوقوع في "فخّ التعطيل والشلل".

الرئيس الضعيف!

في آخر مواقفه، خرج الرئيس ميشال سليمان ليعدّد مواصفات من وصفه بـ"الرئيس الضعيف"، وفي مقدّمها أنه الرئيس الذي تهمه مصلحته ومصلحة اولاده وتوريث اولاده السياسة، وأنّه الخائف على أمنه أو على استمراره وعلى التمديد له وعلى تأبيده، بل إنه الذي صنع شخصيته ارتباطه بمحورٍ ما.

إزاء ذلك، لا تجد المصادر ضرورة للتذكير بكيفية وصول الرئيس سليمان إلى "القصر"، في العام 2007، بموجب اتفاقٍ إقليمي غير مسبوق، ولكنها تكتفي بسؤال بسيط: "هل وقع سليمان في فخّ وصف نفسه، فيما كان يسعى لوصف خصمه الأول؟"