تحولت محمية بنتاعل إلى قضية خلافية وإلى عنوان رئيسي يتردد يوميا في نشرات الأخبار. فموضوع المحمية هو بيئي بإمتياز لكنه غامض وشكل لغزا لدى الرأي العام الجبيلي خصوصاً والرأي العام اللبناني عموماً خصوصاً في ظل غياب الرواية الرسمية التي تضع النقاط على الحروف. وطالما أن الوزارات المعنية في هذا الموضوع وفي طليعتها وزارة الأشغال غائبون عن التوضيح كان لا مفر من جولة على الفاعلين والقيادات في قضاء جبيل لمعرفة الحقيقة في عمليات شق الطرقات ويدفعهم الى زيادة أنشطتهم على أطراف المحمية وهل صحيح أن المتعهد مدعوم سياسياً وان الأشغال الإضافية من توسيع الطريق هي لاهداف تجارية بحيث أن التوسيع المتعمد سيغري تجار البناء إلى زيادة أنشطتهم العقارية حول المحمية .اللافت أن الموضوع لا علاقة له بالانقسامات السياسية بحيث أن أعضاء في التكتل النيابي الواحد منقسمون كما أن أحد السياسيين في المنطقة هو من سعى وشق طريقا بالقرب من المحمية في العام 2010 علما انه في الموقع السياسي الآخر الذي ينتمي إليه النائب الداعم حالياً لشق الطريق موضوع الخلاف .

محامي لجنة المحمية وامين السر المحامي ايلي كيريللوس اكد لل الديار ان المحمية انشئت بالقانون 99/2011، بعد ان قدم اهالي بلدة بنتاعل المشاع البالغة مساحته مليون و200 الف متر عام 1981 لتحويلها الى محمية طبيعية،هذه المحمية تحتضن غابات الصنوبر والسنديان والكهوف والمغاور ومناسك تفوق اهميتها مناسك وادي قنوبين و معها ادخلت فكرة المحميات الى لبنان مع الوزير قيصر نصر .

عام 1987 تم تدشينها باحتفال رسمي، وعام 1999 صدر قانون رسمي بانشائها والمادة 5 منه تحظر القيام باي عمل داخل المحمية وبخط شعاعي 500 متر من حدودها، والطريق التي يقومون بشقها اليوم تبعد حوالي 20 متر عن حدود المحمية، اضافة الى انه يتم وضع الردميات في النهر وفي حرم المحمية، هذا مع الاشارة الى ضرورة الاستحصال على ترخيص للقيام بهذه الاعمال وتقديم دراسة تقييم اثر بيئي، كما يحصل عند استحصال رخص لبناء عادي فكيف اذا كانت الارض مصنفة كمحمية طبيعية .

وتابع كيريللس يقال ان لديهم هذه الدراسة منذ ال2010 مع العلم ان هذه الدراسة تسقط بعد سنتين وكانوا في ذلك العام حاولوا شقها لكن وزارة البيئة تحركت واوقفتهم بقرار من مدير عام وزارة البيئة اثناءها.

ـ اعمال من دون مهندسين ـ

وهنا تساءل المحامي كيريللوس هل يجوز ان تشق طريق من دون اشراف اي مهندس او استشاري او متعهد او مرجع، فاين الدولة من ذلك .

اما بالنسبة للهدف اكد كيريللوس ان الاهداف عقارية لصالح عدد من المالكين الكبار لعقارات في المنطقة، في حين البعض الاخر يقول انها لتسهيل وصل القرى ببعضها ولتقريب المسافات، لكن العنوان الاساس الذي يطرحه هؤلاء ان المسافة التي سيقطعونها بعد شق الطريق لوصولهم الى املاكهم تختصر حوالي 20 دقيقة،اما المخالفة الرابعة اننا كلجنة مع انماء القرى وشق الطرقات، ولكن بشروط بيئية محددة ولكن طريقة تنفيذ العمل هي غير صحيحة حيث يتجاوز علو الحفرية حوالى 12 مترا .

وتابع كيريللوس لقد تم توجيه عدة كتب من جمعيات بيئة الى وزير البيئة ورئيس الحكومة وفي 19من كانون الثاني، وجهت لجنة المحمية كتابا لوزير البيئة تعلمه به ان هنا اعمال حفر وشق طرقات تجري في محيط المحمية منذ 18 منه،وفي 27 كانون الثاني اصدر وزير البيئة محمد المشنوق قرارا رقمه 266 / 2015 بوقف الاعمال وسحب التراخيص فوراً وحول الى المحافظ، ولكن العمل استمر الى يوم 5 شباط وبعد التحقيق الذي اجرته احدى وسائل الاعلام المرئية، واذ بقرار الوزير يصل عند الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم وتوقف العمال الى يوم 6 من الشهر الجاري،| وفي اليوم التالي عادت الجرافات الى العمل ليلاً مع اضاءة مهمة للموقع، وبعد احتجاجات كبيرة اصدر الوزير قراراً آخر في 7 من الشهر المذكور شدد فيه على قراره السابق، لكن العمل لم يتوقف الى حين حلول عيد مار مارون، حيث اوقف العمل 5 ايام، وفي هذه الاثناء قامت اللجنة بزيارة للوزير البيئة الذي وعدها خيراً، لكنه بعد مرور عدة ايام فوجئت البلدة بحضور وزير البيئة برفقة مالكي العقارات الذين لهم مصلحة في شق الطريق دون اعلام اعضاء اللجنة او مختار البلدة وعقب الزيارة زار النائب عباس الهاشم الوزير برفقة عدد من الاشخاص وهذا الامر ادى الى اعادة عمل الجرافات كالسابق .

وهنالك تحرك ستقوم به كل الجمعيات البيئية في لبنان واهالي القرى المجاورة والفاعليات، ويبدو ان هناك تواطىء معين .

ـ حاجة انمائية ـ

اما بالنسبة لمواقف نواب منطقة جبيل فقد اكد النائب سيمون ابي رميا لل الديار ان الطريق شقت عام 2010 ولكنها فرعية وضيقة ولا تنطبق عليها معايير السلامة العامة، لاسيما وان الدولة تحدد عرض هذه الطرق باقل من 12 متر، وقد تم توسيعها في بعض النقاط نحو 4 او 3 امتار ونصف، ولكن مع مرور الزمن ونتيجة العوامل الطبيعية من سيول وامطار انهارت بعض اجزاء هذه الطريق نتيجة تدهور الصخور الامر الذي ادى الى اقفال هذه الطريق.

وتابع ابي رميا ان هناك رأيان فيما يتعلق بالطريق الاول للجنة المحمية التي ترفض شق هذه الطريق رغم ان هناك حاجة لذلك كونها تصل القرى ببعضها وهي تسمح للمواطنين بقطع مسافة 4 كلم بدل 17 كلمة، من هنا حاجة اعادة تأهيل الطريق وفق المعايير بحيث تنشأ حيطان دعم، وبالطبع فان اعضاء الجمعية يعتبرون ان كل عمل يتعلق بشق طرقات يؤثر على المحمية، لاسيما وان القانون يعتبر ان كل بناء او اشغال يجب ان يبعد عن حدود المحمية 500 متر لكن الطريق التي شقت تقع في صلب هذا الشعاع، على الرغم من انه عندما تم شق هذه الطريق عام 2010 لم يكن هناك خيار آخر.

اما عن سبب رمي الردميات في مجرى النهر وداخل المحمية، اكد ابي رميا ان وزارة البيئة تدخلت وطلبت احترام المعايير البيئية المطلوبة وقد صدر قرار بوقف الاغال هنا لتأخذ الامور مداها القانوني.

واكد النائب ابي رميا انه من الاشخاص المؤمنين باهمية البيئة والعمل البيئة وان القرار الذي اتخذ عام 2010 بشق الطريق اخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية، لذا تم الاتفاق على ان تكون الطريق فرعية لتأمين وصول المواطنين من بلدة حبوب الى بشتليدا والفدار وصولا الى منطقة عنايا.

وختم النائب ابي رميا انه تواصل مع الفريقين وهو علم بان وزير الاشغال العامة غازي زعيتر اعطى الاوامر بمتابعة الاشغال، لكن هناك نوع من ابهام حول من يقوم بهذه الاعمال .

ـ شقت عام 1997 ـ

النائب السابق فارس سعيد الذي عاش قصة الطريق منذ ولادتها عام 1996، اعتبر في حديثه لل الديار ان موضوع المحمية هو بيئي انمائي بامتياز، وليس مشكلة سياسية او طائفية بين الشيعة والموارنة في لبنان، وهو مسألة عقارية اكثر مما هو مسألة اخلاقية،لا بل ان هناك مجموعة من الناس في منطقة الفدار ينتمون الى الطائفة الشيعية يقطعون مسافة 28 كلم ليصلوا الى قراهم وبناء على طلب تقدموا به الى النائب السابق اميل نوفل بشق طريق ليصلوا الى بلداتهم، مع الاشارة الى ان الفدار منقسمة الى الفدار الفوقا (غالبية شيعية) والفدار الفوقا (غالبية مسيحية)،وقد قام نوفل بشق الطريق بعرض 4 و3 امتار ونصف وهي تربط حبوب او جبيل بمنطقة الفدار بمسافة 6 كلم، وقد تم تزفيتها منذ حوالي 3 سنوات، وكونها تمر على تخوم المحمية التي لديها شعاع يقدر ب500 متر والتي على الرغم من اهميتها على صعيد المصلحة والمنفعة العامة لناحية غلاء اسعار اراضي الفدار التحتا وتقصير المسافة للفدار التحتا فانها لم تراع المعايير البيئية، وهنا وقع الاشكال بين اعضاء لجنة المحمية الذين يؤكدون انهم ليسوا ضد الانماء وشق الطرقات، كما ان رفضهم ليس موجه ضد الطائفة الشيعية او ضد لون سياسي في المنطقة، بل ان كل ما يبغونه هو شق الطريق بمواصفات بيئية تتناسب مع طبيعة وجود هذه المحمية، لاسيما وان اهل بلدة بنتاعل اعطوا ارضهم للدولة لانشاء المحمية، ولكن عندما ستصبح هذه الاخيرة محاطة بالابنية من جهة وتصنيف ربما سيأتي من جهات سياسية معينة تطالب بخفض عامل الاستثمار عندها تصبح المحمية غير ذو قيمة.

من هنا يؤكد سعيد ان الجمعية وضعت شروط لشق الطريق ومنها على سبيل المثال عدم انارتهم لان هناك حيوانات تقصد المحمية عبر اجتياز الطريق، والانارة ستمنعها من الدخول، اضافة الى شرط آخر يتعلق باقامة سياج على جانبي الطريق لمنع تحولها الى ارض مباحة للباعة .

وتابع سعيد ان وزير البيئة نهاد المشنوق وعد باخضاع شق الطريق الى شروط بيئية وقد حذا حذوه وزير الداخلية نهاد المشنوق عندما اوقف اعمال الجرف لمدة معينة، وهنا يطرح السؤال من لديه القدرة على تجاوز قدرة الوزيرين وان يطلب اكمال الحفريات بناء على طلب وزارة الاشغال، وهنا الجواب بالطبع هو سلطة حزب فاعل في المنطقة، من هنا اضحت المحمية مشنوقة بين مشنوقين البيئة والداخلية اضافة الى ان وزارة الاشغال لم تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وزارة البيئة وتمني وزير الداخلية ايقاف الاعمال لحين اتمام الشروط والمعايير البيئية المطلوبة.

وقد اكد سعيد ان اعضاء لجنة المحمية باتوا يشعرون انهم متروكين لعدة اسباب منها ان هناك نائب ما لا يريد اثارة غضب هذا الحزب او لانه يتحجج بمنفعة شق الطريق على اهالي منطقة جبيل ومحيطها وعلى كل الطوائف والمذاهب حتى ولو لم تحترم المعايير البيئية.

وختم سعيد لا مانع من شق الطريق، لكن ما نريده وما سنفعله هو ان يتم تنفيذ الاشغال بشروط المحمية المفروضة من الدولة، وان لا يستقوي احد بحجة الانماء والقوة السياسية على اهالي المنطقة، وان لا يكون هناك مواطنين خاضعين للقانون في حين فئة اخرى لا تحترمه بحجة الحرمان السابق .