مرة جديدة، عادت قضية إستقطاب الجماعات الإرهابية لشبان مسيحيين إلى الواجهة من جديد، من خلال المعلومات التي تناقلها بعض الإعلام، الأمر الذي يثير حوله علامات إستفهام، لا سيما حول الأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى الإلتحاق بهكذا مجموعات، أو هدفها من العمل على إستدراجهم بوسائل متعددة، لدفعهم إلى القيام بأعمال أمنية أو عسكرية معينة.

من حيث المبدأ، النجاح في إحداث أي خرق أو تجنيد أي من هؤلاء الشبان، يُعَدّ من وجهة نظر الجماعات المتطرّفة إنجازاً لها، من الممكن أن تستخدمه على نطاقٍ واسعٍ في التسويق لنفسها، خصوصاً أنها تعمد إلى إستخدام وسائل الإعلام الحديث من أجل نشر أخبارها الصادمة، ومن الطبيعي أن تكون المعلومات عن إنضمام شاب مسيحي إلى تنظيم "داعش" أو جبهة "النصرة" هي الخبر الرئيس في كل وسائل الإعلام.

بحسب ما تم تناقله من الأنباء، هؤلاء الشبان من أبناء مدينة طرابلس ومنطقة الشمال، لكن راعي أبرشية طرابلس المارونيّة المطران جورج أبو جودة يعرب، في حديث لـ"النشرة"، عن صدمته من هذا الأمر، ويحاول أن يضعه في سياق الإغراءات المادية أو الميول غير الطبيعية، ويقول: "نحن متفاجئون أكثر منكم من هذه المعلومات".

"ما تم الحديث عنه مؤخراً عرفنا به من وسائل الإعلام"، هذا ما يؤكد عليه المطران أبو جودة، الذي يشدد على متابعة أي موضوع عندما تعلم به المطرانية، ويوضح أن الكنيسة تقوم بدورها دائماً على صعيد توعية الشباب عبر عقد اللقاءات معهم، ويضيف: "لا يمكن حصر الناس لكن درهم وقاية خير من قنطار علاج".

من جانبه، يؤكد البروفيسور الأب ​يوسف مونس​، في حديث لـ"النشرة"، أن الموضوع صعب جداً، ويستغرب حصول ذلك في حين أن المسيحية هي محبة وغفران وتسامح، ويرى أن ليس من السهل تقبله بأي شكل من الأشكال.

ويوافق البروفيسور مونس على ضرورة البحث في موضوع الإغراءات المادية والمالية، بالإضافة إلى دراسة الحالة النفسية التي يكون فيها الشخص الذي يقدم على مثل هذه الخطوة، لكنه يلفت إلى أن هذه الحالة لا تتعلق ببعض الشبان المسيحيين، الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، بل يشمل مسلمين وملحدين أيضاً.

من وجهة نظر المطران أبو جودة، الجماعات الإرهابية تركز على إستقطاب الشبان المسيحيين، لأنها تعتبر أن واحداً منهم من الممكن أن يفيدها كثيراً على الصعيد الدعائي، لكنه يشدد على أن هذه القضية لا يمكن إعتبارها سياسية أو دينية بل إرهابية.

أما عن إمكانية وقوف الأسباب الإقتصادية والإجتماعية وراء هذه الحالات، يوضح أبو جودة أن المسيحيين في طرابلس لا يعيشون في حالة بؤس، لكنه يلمح إلى إمكانية إستخدام إغراءات أخرى كالجنس والمخدرات، ويدعو إلى توصيف القضية بشكل دقيق من خلال القول أن هؤلاء شبان من المسيحيين وليسوا الشبيبة المسيحية.

ويعود راعي أبرشية طرابلس للموارنة إلى الحديث عن قضية الشاب الياس الوراق، التي كشفت تفاصيلها قبل مدة، ويوضح أن أبناء بلدته مجدليا لم يلاحظوا أي تبدل في سلوكه، قبل الإعلان عن توقيفه من قبل الأجهزة الأمنية، ويعتبر أن من غير الممكن الحديث أن هؤلاء يختارون الإنتماء إلى دين آخر لأن المرجعيات الإسلامية تؤكد أن ما يقومون به لا يمت إلى الدين بصلة.

ويشير البروفيسور مونّس إلى أن المسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، ويلفت إلى أن من المؤكد أن الكنيسة تتابع مثل هذه الأمور: "خوري الرعية يكون هو الأقرب على الحالة، وليس البابا أو البطريرك، إذ من الطبيعي أن يكون على مقربة من الشبان في قراهم وبلداتهم، وبالتالي يدرك حالتهم أكثر".

وبالإضافة إلى المسؤولية التي تقع على الفرد نفسه، يرى البروفيسور مونس أن هناك جزءاً منها يقع على عاتق الرفاق الذين تربى معهم وعلى عاتق المدرسة والأسرة، ولا ينسى ذكر وسائل الإعلام والمؤسسات الكبرى من دولة وغيرها.

في المحصلة، هي حالات فردية لا ينبغي تعميمها، عند أي من الديانات السماوية أو الفئات الإجتماعية، ولا تمثل إلا الأشخاص الذين يقدمون على مثل هذه الأفعال، لأن العكس لا يخدم إلا الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى الإستفادة منها في إستراتيجيتها الدعائية.

في هذا الإطار، من الضروري التعامل بشكل أفضل مع من يحاول إستقطاب هؤلاء الشبان عبر إستغلال أوضاعهم، الإقتصادية والإجتماعية والنفسية، بعد أن أصبح الإرهاب والتكفير آفة إجتماعية تهدد الجميع، ويوهم من يوقع بشراكها بالجنة ومغانمها.