عزّز توجّه القيادة الفلسطينية إلى منظمات الأمم المتحدة، خصوصاً محكمة الجنايات الدولية في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بالضفة الغربية المحتلة وقطاع ​غزة​، الأمل لدى الفلسطينيين في أن يشكل هذا التوجّه فرصة مؤاتية لإنصاف الضحايا، بعد أن ارتكبت إسرائيل بحقهم أبشع المجازر، في وقت يعتبر سياسيون ومختصون أنّ ذلك يعد جزءًا من النضال الفلسطيني، بعد انسداد الأفق السياسي وانهيار المفاوضات مع إسرائيل.

ورغم ذلك، إلا أنّ جملة من العقبات والتحديات تضع نفسها أمام ذلك التوجه الذي يصفه المراقبون بأنه "جاء بعد الاعترافات الدولية المتلاحقة بدولة فلسطين"، أبرزها تحديات داخلية تتعلق بحالة الانقسام الفلسطيني، والمعوقات الإسرائيلية على الصعيد المالي والاقتصادي وغيرها.

جزءٌ من النضال

"جزء من النضال متعدد المسارات"، هذا ما اعتبره الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم أبراش، لأن الشعب الفلسطيني لا يزال تحت الاحتلال، وبالتالي يضطر إلى اللجوء لعدة وسائل من ضمنها المقاومة والعوامل الدبلوماسية والسياسية، إذ أنّها كلها آليات وأدوات متعددة.

وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح أبراش أن قرار القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، جاء بعد انسداد أفق المفاوضات وتعنت إسرائيل ورفضها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، معتبراً أنه "لم يكن لدى القيادة الفلسطينية إلا التوجه للأمم المتحدة من أجل خلق مرجعية للمفاوضات".

واعتبر أبراش أن التوجّه إلى الأمم المتحدة جاء منسجماً مع الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين، وعلى ذلك يجب أن تأخذ مكاناً مهماً في الأمم المتحدة.

وعن التحديات التي تواجه القيادة الفلسطينية إزاء ذلك، لفت أبراش وهو أستاذ العلوم السياسية أيضاً، أن أبرزها الفيتو الأميركي والممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، إضافة إلى الوضع الفلسطيني الداخلي المتمثل بالانقسام وعدم الاتفاق على رؤية محددة حول صيغة القرار، لكنّه أشار إلى أنه "يمكن تجاوز هذه التحديات إذا وُجِدت إرادة فلسطينية حقيقة".

رافعة للعمل الفلسطيني

وفي ما يتعلق بالملاحظات القانونية على هذا التوجه، قال أستاذ القانون الدولي عبد الرحمن أبو النصر، إنّ هنالك ملاحظة قانونية يمكن أن يكون لها تداعيات سياسية، إذ أنه قال "إن المحكمة بدأت ولايتها منذ 13 حزيران 2014، ولم يتم دمج ولايتها لغاية عام 2002".

وفي حديث لـ"النشرة"، أكّد أبو النصر، أن "هذا العمل حظي بإجماع وطني فلسطيني، ويمكن أن يكون رافعة لكل العمل الفلسطيني من جانب، ونموذجًا يحتذى به في كل جوانب العمل الفلسطيني".

وشدّد أبو النصر على أن هذا العمل يمكن أن يتصدى لجرائم الاحتلال، لكنه ألمح في نفس السياق، إلى عدم وجوب "أن نضع في عقولنا إمكانية أن يوقف مسلسل الإجرار الإسرائيلي"، لكنه يشكل وسيلة دفاعية مهمة على طريق وقف الاعتداءات الإسرائيلية.

رادع لدولة الاحتلال

أما الحقوقي الفلسطيني عصام يونس، فيرى أن الفلسطينيين اليوم هم أبعد ما يكونون عن الاقتراب لعدالة الضحايا بالنظر إلى دولة الاحتلال التي تعتبر نفسها أنها دولة محصنة وتشعر أنها فوق القانون، ما يعني من وجهة نظره أن الأسوأ قادم، إذا ما استمر هذا التعامل الدولي والإسرائيلي مع فلسطين.

في حديث إلى "النشرة"، قال يونس إنه "لم يعد أمام الفلسطينيين في ظل هذا الانسداد السياسي باتجاه الاقتراب من العدالة، إلا أن يأخذوا قضيتهم بأيديهم باتجاه واحد وهو طريق العدالة من خلال التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية.

ولفت يونس وهو مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان أيضاً، إلى أنّ فلسطين الآن لها شخصية تمكنها من التوقيع على الاتفاقيات الدولية، ما يعني أنه أصبح بالإمكان الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية وميثاق روما وغيرها، مشيراً إلى أنّ قيام فلسطين بهذا الفعل، يؤكد أنّ المجرم يجب أن لا يهرب بجريمته، وهو نوع من الحماية لشعبنا ويشكل رادعاً للاحتلال حتى لا يكرّر جرائمه.

وعن خلاصة الموقف من هذا التوجه، قال يونس: "نحن في انتظار دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، إذ أن المحكمة ومصداقيتها سوف تكون موضوع اختبار حقيقي في قدرتها على تحريك محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين عما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة".

أخيراً، يأمل الفلسطينيون من انضمام القيادة الفلسطينية إلى مزيد من المنظمات الدولية خصوصاً محكمة الجنايات الدولية، أن يحقق مطلباً أساسياً ومهماً من ذلك وهو إنصاف الضحايا، في الوقت الذي فشلت فيه المحاولات الدولية في إجبار الاحتلال الإسرائيلي وقف انتهاكاته ضدهم.